أَنَّهُ أَرَادَ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمْ فِي النِّكَاحِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ إلَّا فِيمَا تَقُومُ فِيهِ دَلَالَةُ التَّفْضِيلِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ إنَّ نِكَاحَ الْحُرَّةِ طَلَاقٌ لِلْأَمَةِ فَقَوْلُهُ وَاهٍ ضَعِيفٌ لَا مَسَاغَ لَهُ فِي النَّظَرِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا ذَكَرَ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الطَّوْلُ إلَى الْحُرَّةِ فَاسِخًا لِنِكَاحِ الْأَمَةِ كَمَا قَالَ الشَّعْبِيُّ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ يُنْتَقَضُ تَيَمُّمُهُ تَوَضَّأَ أَوْ لَمْ يَتَوَضَّأْ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تَأَوَّلَ قَوْله تَعَالَى وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا عَلَى عَدَمِ الْحُرَّةِ فِي مِلْكِهِ وَأَنَّ وُجُودَ الطول هو كون الحرة تحته وهذا التأويل سَائِغٌ لِأَنَّ مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ حُرَّةٌ فَهُوَ غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ لَلطَّوْلِ إلَيْهَا إذْ لَا يَصِلُ إلَيْهَا وَلَا يَقْدِرُ عَلَى وَطْئِهَا فَكَانَ وُجُودُ الطَّوْلِ عِنْدَهُ هُوَ مِلْكُ وَطْءِ الْحُرَّةِ وَهُوَ أولى بمعنى الآية من تأول مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى الْقُدْرَةِ عَلَى تَزَوُّجِهَا لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْمَالِ لَا تُوجِبُ لَهُ مِلْكَ الْوَطْءِ إلَّا بَعْدَ النِّكَاحِ فَوُجُودُ الطَّوْلِ بِحَالِ مِلْكِ الْوَطْءِ أَخَصُّ مِنْهُ بِوُجُودِ الْمَالِ الَّذِي بِهِ يَتَوَصَّلُ إلَى النِّكَاحِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّا وَجَدْنَا لِمِلْكِ وَطْءِ الزَّوْجَةِ تَأْثِيرًا فِي مَنْعِ نِكَاحِ أُخْرَى وَلَمْ نَجِدْ هَذِهِ الْمَزِيَّةَ لِوُجُودِ الْمَالِ فَإِذًا لَا حَظَّ لِوُجُودِ الْمَالِ فِي مَنْعِ نِكَاحِ الْأَمَةِ فَتَأْوِيلُ أَبِي يُوسُفَ الْآيَةَ عَلَى مِلْكِ وَطْءِ الْحُرَّةِ أَصَحُّ مِنْ تَأْوِيلِ مَنْ تَأَوَّلَهَا عَلَى مِلْكِ الْمَالِ فَإِنْ قِيلَ وُجُودُ ثَمَنِ رَقَبَةِ الظِّهَارِ كَوُجُودِ الرَّقَبَةِ فِي مِلْكِهِ فَهَلَّا كَانَ وُجُودُ مَهْرِ الْحُرَّةِ كَوُجُودِ نِكَاحِهَا قِيلَ لَهُ هَذَا خَطَأٌ مُنْتَقَضٌ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّك لَمْ تَعْقِدْهُ بِمَعْنًى يُوجِبُ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا وَبِدَلَالَةٍ يَدُلُّ بِهَا عَلَى صِحَّةِ الْمَعْنَى وَمَا خَلَا مِنْ ذَلِكَ مِنْ دَعْوَى الْخَصْمِ فَهُوَ سَاقِطٌ غَيْرُ مَقْبُولٍ وَالثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ وُجُودُ مَهْرِ امْرَأَةٍ فِي مِلْكِهِ كَوُجُودِ نِكَاحِهَا فِي مَنْعِ تَزْوِيجِ أُمِّهَا أَوْ أُخْتِهَا فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بَانَ بِهِ فَسَادُ مَا ذَكَرْت وَعَلَى أَنَّ الرَّقَبَةَ لَيْسَتْ عُرُوضًا لِلنِّكَاحِ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ فُرِضَ عَلَيْهِ عِتْقُهَا وَغَيْرُ جَائِزٍ لَهُ الِانْصِرَافُ عَنْهَا مَعَ وُجُودِهَا وَجَائِزٌ لِلرَّجُلِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ مَعَ الْإِمْكَانِ فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ وُجُودُ ثَمَنِ الرَّقَبَةِ فِي مِلْكِهِ كَوُجُودِهَا إذْ كَانَتْ فَرْضًا هُوَ مَأْمُورٌ بِعِتْقِهَا عَلَى
حَسَبِ الْإِمْكَانِ وَلَيْسَ النِّكَاحُ بِفَرْضٍ فَيَلْزَمُهُ التَّوَصُّلُ إلَيْهِ لِوُجُودِ الْمَهْرِ فَلَيْسَ إذًا لِوُجُودِ الْمَهْرِ فِي مِلْكِهِ تَأْثِيرٌ فِي مَنْعِ نِكَاحِ الْأَمَةِ وَكَانَ وَاجِدُهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَجِدْ وَإِنَّمَا قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّهُ لَا يَتَزَوَّجُ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ لِمَا
رَوَى الْحَسَنُ وَمُجَاهِدُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ
وَلَوْلَا مَا وَرَدَ مِنْ الْأَثَرِ لَمْ يَكُنْ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ مَحْظُورًا إذْ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَا يُوجِبُ حَظْرَهُ وَالْقِيَاسُ يُوجِبُ إبَاحَتَهُ وَلَكِنَّهُمْ اتَّبَعُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute