للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَزْوِيجِهَا أَنَّهُ جَائِزٌ لِأَنَّهَا تَكُونُ مَنْكُوحَةً بِإِذْنِهَا وَظَاهِرُ الْآيَةِ مُقْتَضٍ لِجَوَازِ نِكَاحِهَا بِإِذْنِ مَوْلَاهَا فَإِذَا وَكَّلَ مَوْلَاهَا أَوْ مَوْلَاتُهَا امْرَأَةً بِتَزْوِيجِهَا وَجَبَ أَنْ يَجُوزَ ذَلِكَ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ قَدْ أَجَازَهُ وَمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا خَصَّ الْآيَةَ بِغَيْرِ دَلَالَةٍ وَأَيْضًا فَإِنْ كَانَتْ هِيَ لَا تَمْلِكُ عَقْدَ النِّكَاحِ عَلَيْهَا فَغَيْرُ جَائِزٍ تَوْكِيلُهَا غَيْرَهَا بِهِ لِأَنَّ تَوْكِيلَ الْإِنْسَانِ إنَّمَا يَجُوزُ فِيمَا يَمْلِكُهُ فَأَمَّا مَا لَا يَمْلِكُهُ فغير جائز توكيل غيره فِي الْعُقُودِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ أَحْكَامُهَا بِالْمُوَكَّلِ دُونَ الْوَكِيلِ وَقَدْ يَصِحُّ عِنْدَنَا تَوْكِيلُ مَنْ لَا يَصِحُّ عَقْدُهُ إذَا عَقَدَ فِي الْعُقُودِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ أَحْكَامُهَا بِالْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ وَهِيَ عُقُودُ الْبِيَاعَاتِ وَالْإِجَارَاتِ فَأَمَّا عَقْدُ النِّكَاحِ إذَا وُكِّلَ بِهِ فَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ حُكْمُهُ بِالْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالنِّكَاحِ لَا يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ وَلَا تَسْلِيمُهُ الْبُضْعَ فَلَوْ لَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ مَالِكَةً لِعَقْدِ النِّكَاحِ لَمَا صَحَّ تَوْكِيلُهَا بِهِ لَغَيْرِهَا إذْ كَانَتْ أَحْكَامُ الْعُقُودِ غَيْرَ مُتَعَلِّقَةٍ بِالْوَكِيلِ فَلَمَّا صَحَّ تَوْكِيلُهَا بِهِ مَعَ تَعَلُّقِ أَحْكَامِهِ بِهَا دُونَ الْوَكِيلِ دَلَّ عَلَى أَنَّهَا تَمْلِكُ الْعَقْدَ وَهَذَا أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحُرَّةَ تَمْلِكُ عَقْدَ النِّكَاحِ عَلَى نَفْسِهَا كما جاز وتوكيلها عَلَى غَيْرِهَا بِهِ وَهُوَ وَلِيُّهَا وقَوْله تَعَالَى وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ مَهْرِهَا إذَا نَكَحَهَا سَمَّى لَهَا مَهْرًا أَوْ لَمْ يُسَمِّ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَنْ سَمَّى وَبَيْنَ مِنْ لَمْ يُسَمِّ فِي إيجَابِهِ الْمَهْرَ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ أُرِيدَ بِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ قَوْله تَعَالَى بِالْمَعْرُوفِ وَهَذَا إنَّمَا يُطْلَقُ فِيمَا كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى الاجتهاد وغالب الظن الْمُعْتَادِ وَالْمُتَعَارَفِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وقوله تعالى وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ وُجُوبَ دَفْعِ الْمَهْرِ إلَيْهَا وَالْمَهْرُ وَاجِبٌ لِلْمَوْلَى دُونَهَا لِأَنَّ الْمَوْلَى هُوَ الْمَالِكُ لِلْوَطْءِ الَّذِي أَبَاحَهُ لِلزَّوْجِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ فَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ لَبَدَلِهِ كَمَا لَوْ آجَرَهَا لِلْخِدْمَةِ كَانَ الْمَوْلَى هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْأُجْرَةِ دُونَهَا كَذَلِكَ الْمَهْرُ وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْأَمَةَ لَا تَمْلِكُ شَيْئًا فَلَا تَسْتَحِقُّ قَبْضَ الْمَهْرِ وَمَعْنَى الْآيَةِ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ المراد إعطاؤهن الْمَهْرَ بِشَرْطِ إذْنِ الْمَوْلَى فِيهِ فَيَكُونُ الْإِذْنُ الْمَذْكُورُ بَدِيًّا مُضْمَرًا فِي إعْطَائِهَا الْمَهْرَ كَمَا كَانَ مَشْرُوطًا فِي التَّزْوِيجِ فَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ فَانْكِحُوهُنَّ بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بإذنهم فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ إعْطَاؤُهُنَّ الْمَهْرَ إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالْمَعْنَى وَالْحَافِظَاتُ فُرُوجَهُنَّ وقَوْله تَعَالَى وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ وَمَعْنَاهُ وَالذَّاكِرَاتُ اللَّهَ وَتَكُونُ دَلَالَةُ هَذَا الضَّمِيرِ مَا فِي الْآيَةِ مِنْ نَفْيِ مِلْكِهَا لِتَزْوِيجِهَا نفسها

<<  <  ج: ص:  >  >>