بَكْرٍ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ أَنَّ النَّاسَ تَحَرَّجُوا بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ أَنْ يَأْكُلُوا عِنْدَ أَحَدٍ لَا عَلَى أَنَّ الْآيَةَ أَوْجَبَتْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ لَمْ تَكُنْ مَحْظُورَةً قَطُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَكَذَلِكَ الْأَكْلُ عِنْدَ غَيْرِهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْأَكْلَ عِنْدَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَهَذَا لَعَمْرِي قَدْ تَنَاوَلَتْهُ الْآيَةُ وَقَدْ رَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ هِيَ مُحْكَمَةٌ مَا نُسِخَتْ وَلَا تُنْسَخُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَرَوَى الرَّبِيعُ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ مَا نَسَخَهَا شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ وَنَظِيرُ مَا اقْتَضَتْهُ الْآيَةُ مِنْ النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ قَوْله تَعَالَى وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ
وقول النبي صلى الله عليه وسلم لا يحل مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ
وَعَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ أَكْلِ مَالِ الْغَيْر مَعْقُودٌ بِصِفَةٍ وَهُوَ أَنْ يَأْكُلَهُ بِالْبَاطِلِ وَقَدْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ أَكْلَ أَبِدَالِ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ كَأَثْمَانِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ وَكَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ الْمَأْكُولِ فَوَجَدَهُ فَاسِدًا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ نَحْوَ الْبَيْضِ وَالْجَوْزِ فَيَكُونُ أَكْلُ ثَمَنِهِ أَكْلَ مَالٍ بِالْبَاطِلِ وَكَذَلِكَ ثَمَنُ كُلِّ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ وَلَا يُنْتَفَعُ بِهِ كَالْقِرْدِ وَالْخِنْزِيرِ وَالذُّبَابِ وَالزَّنَابِيرِ وَسَائِرِ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ فَالِانْتِفَاعُ بِأَثْمَانِ جَمِيعِ ذَلِكَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ وَكَذَلِكَ أُجْرَةُ النَّائِحَةِ وَالْمُغَنِّيَةِ وَكَذَلِكَ ثَمَنُ الْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ بَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا وَأَخَذَ ثَمَنَهُ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ أَكْلِ ثَمَنِهِ وَعَلَيْهِ رَدُّهُ إلَى مُشْتَرِيهِ وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّهُ إذَا تَصَرَّفَ فِيهِ فَرَبِحَ فِيهِ وَقَدْ كَانَ عَقَدَ عَلَيْهِ «١» بِعِينَةٍ وَقَبَضَهُ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ لِأَنَّهُ رِبْحٌ حَصَلَ لَهُ مِنْ وَجْهٍ مَحْظُورٍ وقَوْله تَعَالَى لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ مُنْتَظِمٌ لِهَذِهِ الْمَعَانِي كُلِّهَا وَنَظَائِرهَا مِنْ الْعُقُودِ الْمُحَرَّمَةِ فَإِنْ قِيلَ هَلْ اقْتَضَى ظَاهِرُ الْآيَةِ تَحْرِيمَ أَكْلِ الْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ وَالْإِبَاحَةَ لِلْمَالِ مِنْ صَاحِبِهِ قِيلَ لَهُ كُلُّ مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْعُقُودِ وَأَطْلَقَهُ مِنْ جَوَازِ أَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ بِإِبَاحَتِهِ إيَّاهُ فَخَارِجٌ عَنْ حُكْمِ الْآيَةِ لِأَنَّ الْحَظْرَ فِي أَكْلِ الْمَالِ مُقَيَّدٌ الشريطة وَهِيَ أَنْ يَكُونَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ وَمَا أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَحَلَّهُ فَلَيْسَ بِبَاطِلٍ بَلْ هُوَ حَقٌّ فَنَحْتَاجُ أَنْ نَنْظُرَ إلَى السَّبَبِ الَّذِي يَسْتَبِيحُ أَكْلَ هَذَا الْمَالِ فَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فَلَيْسَ بِبَاطِلٍ وَلَمْ تَتَنَاوَلْهُ الْآيَةُ وَإِنْ كَانَ مَحْظُورًا فَقَدْ اقْتَضَتْهُ الْآيَةُ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ اقْتَضَى إبَاحَةَ سَائِرِ التِّجَارَاتِ الْوَاقِعَةِ عَنْ تَرَاضٍ والتجارة اسم واقع على عقود المعاوضات
(١) قوله بعينة وذلك كما لو باع رجل سلعة من آخر ثمن معلوم إلى أجل معلوم ثم اشتراها بأقل من الثمن الذي باعها به لمصححه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute