مِنْ الْعُقُودِ مِنْ ذَلِكَ الْفُرْقَةِ عَنْ عَقْدِ الصَّرْفِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَعَنْ السَّلْمِ قَبْلَ الْقَبْضِ لرأس المال وعن الدين بالدين قَبْلَ تَعْيِينِ أَحَدِهِمَا فَلَمَّا وَجَدْنَا الْفُرْقَةَ فِي الْأُصُولِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْعُقُودِ إنَّمَا تَأْثِيرُهَا في إبطال العقد دون جوازه ولم تجد فِي الْأُصُولِ فُرْقَةً مُؤَثِّرَةً فِي تَصْحِيحِ الْعَقْدِ وَجَوَازِهِ ثَبَتَ أَنَّ اعْتِبَارَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَوُقُوعَ الْفُرْقَةِ فِي تَصْحِيحِ الْعَقْدِ خَارِجٌ عَنْ الْأُصُولِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ ظَاهِرِ الْكِتَابِ وأيضا قد ثبت بالسنة واتفاق الأمة من شرط صحة عقد افْتِرَاقُهُمَا عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ عَنْ قَبْضٍ صَحِيحٍ فَإِنْ كَانَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ ثَابِتًا فِي عَقْدِ الصَّرْفِ مَعَ التَّقَابُضِ وَالْعَقْدُ لَمْ يَتِمَّ مَا بَقِيَ الْخِيَارُ فَإِذَا افْتَرَقَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَصِحَّ بِالِافْتِرَاقِ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُبْطِلَهُ الِافْتِرَاقُ قَبْلَ صِحَّتِهِ فَإِذَا كَانَا قَدْ افْتَرَقَا عَنْهُ وَلَمَّا يَصِحَّ بَعْدُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَصِحَّ بِالِافْتِرَاقِ فَيَكُونُ الْمُوجِبُ لِصِحَّتِهِ هُوَ الْمُوجِبُ لِبُطْلَانِهِ وَيَدُلُّ عَلَى نَفْيِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ
قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ
فَأَحَلَّ لَهُ الْمَالَ بِطِيبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ بِعَقْدِ الْبَيْعِ فَوَجَبَ بِمُقْتَضَى الْخَبَرِ أَنْ يَحِلَّ لَهُ وَدَلَالَةُ الْخَبَرِ عَلَى ذَلِكَ كَدَلَالَةِ قَوْله تَعَالَى إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ نَهْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ صَاعُ الْبَائِعِ وَصَاعُ الْمُشْتَرِي فَأَبَاحَ بَيْعُهُ إذا جرى فيه الصاعان ولم يشرط فيه الافتراق فوجب ذَلِكَ أَنْ يَجُوزَ بَيْعُهُ إذَا اكْتَالَهُ مِنْ بَائِعِهِ فِي الْمَجْلِسِ الَّذِي تَعَاقَدَا فِيهِ
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ
فَلَمَّا أَجَازَ بَيْعَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَلَمْ يَشْرُطْ فِيهِ الِافْتِرَاقَ فَوَجَبَ بِقَضِيَّةِ الْخَبَرِ أَنَّهُ إذَا قَبَضَهُ فِي الْمَجْلِسِ أَنْ يَجُوزَ بَيْعُهُ وَذَلِكَ يَنْفِي خِيَارَ الْبَائِعِ لِأَنَّ مَا لِلْبَائِعِ فِيهِ خِيَارٌ لَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي فِيهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا
قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ وَمَنْ بَاعَ نَخْلًا وَلَهُ ثَمَرَةٌ فَثَمَرَتُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ
فَجَعَلَ الثَّمَرَةَ وَمَالَ الْعَبْدِ لِلْمُشْتَرِي بِالشَّرْطِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ التَّفْرِيقِ وَمُحَالٌ أَنْ يَمْلِكَهَا الْمُشْتَرِي قبل مالك الْأَصْلِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى وُقُوعِ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَنْ يَجْزِيَ وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيَعْتِقَهُ
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِئْنَافِ عِتْقٍ بَعْدَ الشِّرَى وَأَنَّهُ مَتَى صَحَّ لَهُ الْمِلْكُ عَتَقَ عَلَيْهِ فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْجَبَ عِتْقَهُ بِالشِّرَى مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْفُرْقَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ أَنَّ الْمَجْلِسَ قد يطول ويقصر فلو عقلنا وُقُوعَ الْمِلْكِ عَلَى خِيَارِ الْمَجْلِسِ لَأَوْجَبَ بُطْلَانَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute