وَرَوَى سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَرَجَمَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَأَصَابَ قَلْبَهَا وَهِيَ حَامِلٌ فَأَلْقَتْ جَنِينًا فَمَاتَتْ فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلَةِ وَقَضَى فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ
فَكَانَ حَدِيثُ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ فِي إيجَابِ الْقَوَدِ عَلَى الْمَرْأَةِ مُخْتَلِفًا مُتَضَادًّا وَرُوِيَ فِي بَعْضِ أَخْبَارِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ بِعَيْنِهَا الْقِصَاصُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي بَعْضِهَا قَالَ حَمَلُ بْنُ مَالِكٍ وَهُوَ صَاحِبُ الْقِصَّةِ
إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْجَبَ الدِّيَةَ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلَةِ
فتضادت الأخبار في قصة حمل ابن مَالِكٍ وَسَقَطَتْ وَبَقِيَ حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِي نَفْيِ الْقِصَاصِ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ
وَقَدْ رَوَى أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتِيلُ السَّوْطِ والعصا شبه العمد
وإثبات شبه العمد ضربا مِنْ الْقَتْلِ دُونَ الْخَطَإِ فِيهِ اتِّفَاقُ السَّلَفِ عِنْدَنَا لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِيهِ وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي كَيْفِيَّةِ شِبْهِ الْعَمْدِ فَأَمَّا أَنْ يَقُولَ مَالِكٌ لَا أَعْرِفُ إلَّا خَطَأً أَوْ عَمْدًا فَإِنَّ هَذَا قَوْلٌ خَارِجٌ عَنْ أَقَاوِيلِ السَّلَفِ كُلِّهِمْ
وَرَوَى شَرِيكٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ شِبْهُ الْعَمْدِ بِالْعَصَا وَالْحَجَرِ الثَّقِيلِ وَلَيْسَ فِيهِمَا قَوَدٌ
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ فَيَضْرِبُ أَخَاهُ بِمِثْلِ آكِلَةِ اللَّحْمِ وَهِيَ الْعَصَا ثُمَّ يَقُولُ لَا قَوَدَ عَلَيَّ لَا أُوتَى بِأَحَدٍ فَعَلَ ذَلِكَ إلَّا أَقَدْته فَكَانَ هَذَا عِنْدَهُ مِنْ الْعَمْدِ لِأَنَّ مِثْلَهُ يُقْتَلُ فِي الْغَالِبِ عَلَى مَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَمِمَّا يُبَيِّنُ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى شِبْهِ الْعَمْدِ وَأَنَّهُ قِسْمٌ ثَالِثٌ لَيْسَ بِعَمْدٍ مَحْضٍ وَلَا خَطَأٍ مَحْضٍ اخْتِلَافُ أَصْحَابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم في أَسْنَانِ الْإِبِلِ فِي الْخَطَإِ ثُمَّ اخْتِلَافُهُمْ فِي أَسْنَانِ شِبْهِ الْعَمْدِ وَأَنَّهَا أَغْلَظُ مِنْ الْخَطَإِ مِنْهُمْ عَلِيٌّ وَعُمَرُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو مُوسَى وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ كُلُّ هَؤُلَاءِ أَثْبَتَ أَسْنَانَ الْإِبِلِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ أَغْلَظُ مِنْهَا فِي الْخَطَإِ عَلَى مَا سَنُبَيِّنُهُ فِيمَا بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَثَبَتَ بِذَلِكَ شِبْهُ الْعَمْدِ وَلَمَّا ثَبَتَ شِبْهُ الْعَمْدِ بِمَا قَدَّمْنَا مِنْ الْآثَارِ وَاتِّفَاقِ السَّلَفِ بَعْدَ اخْتِلَافٍ مِنْهُمْ فِي كَيْفِيَّتِهِ احْتَجْنَا أَنَّ نَعْتَبِرَ شِبْهَ الْعَمْدِ
فَوَجَدْنَا عَلِيًّا قَالَ شِبْهُ الْعَمْدِ بِالْعَصَا وَالْحَجَرِ الْعَظِيمِ
وَمَعْلُومٌ أَنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ اسْمٌ شَرْعِيٌّ لَا سَبِيلَ إلَى إثْبَاتِهِ إلَّا مِنْ جِهَةِ التَّوْقِيفِ إذْ لَيْسَ فِي اللُّغَةِ هَذَا الِاسْمُ لِضَرْبٍ مِنْ الْقَتْلِ فَعَلِمْنَا أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يُسَمِّ الْقَتْلَ بِالْحَجَرِ الْعَظِيمِ شِبْهَ الْعَمْدِ إلَّا تَوْقِيفًا وَلَمْ يَذْكُرْ الْحَجَرَ الْعَظِيمَ إلَّا وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ مُتَسَاوِيَانِ عِنْدَهُ فِي سُقُوطِ الْقَوَدِ بِهِ ويدل عليه ما
حدثنا عبد الباقي