دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ هِيَ دِيَاتٌ بأنفسها لا بدلا من غيرها وإن كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ التَّغْلِيظُ فِيهَا مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ إثْبَاتَ التَّغْلِيظِ طَرِيقُهُ التَّوْقِيفِ أَوْ الِاتِّفَاقِ وَلَا تَوْقِيفَ فِي إثْبَاتِ التَّغْلِيظِ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَلَا اتِّفَاقَ وَالثَّانِي أَنَّ التَّغْلِيظَ فِي الْإِبِلِ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ الْأَسْنَانِ لَا مِنْ جِهَةِ زِيَادَةِ الْعَدَدِ وَفِي إثْبَاتِ التَّغْلِيظِ مِنْ جِهَةِ زِيَادَةِ الْوَزْنِ فِي الْوَرِقِ وَالذَّهَبِ خُرُوجٌ عَنْ الْأُصُولِ وَوَجْهٌ آخَرَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَيْسَتْ عَلَى وَجْهِ الْقِيمَةِ عَنْ الْإِبِلِ وَهُوَ أَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي عَلَى الْعَاقِلَةِ إذَا كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْوَرِقِ بِالْوَرِقِ وَإِذَا كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الذَّهَبِ بِالدَّنَانِيرِ فَلَوْ كَانَتْ الْإِبِلُ هِيَ الْوَاجِبَةُ وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ بَدَلٌ مِنْهَا لَمَا جَازَ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي فِيهَا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ عَلَى أَنْ تُؤَدِّيَهَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لِأَنَّهُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ فَلَمَّا جَازَ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّهَا دِيَاتٌ بِأَنْفُسِهَا لَيْسَتْ أَبْدَالًا عَنْ غَيْرِهَا وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّغْلِيظَ غَيْرُ جَائِزٍ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَعَلَ الدية من الذهب ألف دينار ومن الْوَرِقِ مَا اخْتَلَفَ عَنْهُ فِيهِ فَرَوَى عَنْهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا وَرَوَى عَنْهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ عَشَرَةُ آلَافٍ وَلَمْ يُفَرِّقْ فِي ذلك بين دِيَةِ شِبْهِ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ وَذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ عَلَيْهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ اعْتِبَارَ التَّغْلِيظِ فِيهَا سَاقِطٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّ الصَّحَابَةَ قَدْ اخْتَلَفَتْ فِي كَيْفِيَّةِ التَّغْلِيظِ فِي أَسْنَانِ الْإِبِلِ لَمَّا كَانَ التَّغْلِيظُ فِيهَا وَاجِبًا وَلَوْ كَانَ التَّغْلِيظُ فِي الْوَرِقِ وَالذَّهَبِ وَاجِبًا لَاخْتَلَفُوا فِيهِ حَسْبَ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْإِبِلِ فَلَمَّا لَمْ يُذْكَرْ عَنْهُمْ خِلَافٌ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا رُوِيَ عَنْهُمْ فِي الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ وَفِي الدَّرَاهِمِ عَشَرَةُ آلَافٍ أَوْ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ غَيْرِ زيادة ولا نقصان ثبت بإجماعهم على نَفْيُ التَّغْلِيظِ فِي غَيْرِ الْإِبِلِ فَإِنْ قِيلَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأُصُولِ لَوْ كَانَ مِنْ الْإِبِلِ لَكَانَ قَضَاءُ الْقَاضِي عَلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ مِنْ الدَّرَاهِمِ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا بِدَيْنٍ إنَّ هَذَا كَمَا يَقُولُونَ فِيمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى عَبْدٍ وَسَطٍ إنَّهُ إنْ جَاءَ بِالْقِيمَةِ دَرَاهِمَ قُبِلَتْ مِنْهُ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ قِيلَ لَهُ الْقَاضِي عِنْدَنَا لَا يقضى عليه بدراهم إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ وَلَكِنَّهُ يَقُولُ لَهُ إنْ شِئْت فَأَعْطِهَا عَبْدًا وَسَطًا وَإِنْ شِئْت قِيمَتَهُ دَرَاهِمَ فَلَيْسَ فِيمَا قُلْنَا بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَالدِّيَةُ يَقْضِي بِهَا الْقَاضِي عَلَى الْعَاقِلَةِ دَرَاهِمَ وَلَا يَقْبَلُ مِنْهُمْ الْإِبِلَ إذَا قَضَى بِذَلِكَ وَعَلَى أَنَّهُ إنَّمَا تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْعَبْدِ فِي وَقْتِ مَا يُعْطِي قِيمَتَهُ دَرَاهِمَ وَالْإِبِلُ لَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا إذَا أَرَادَ الْقَضَاءَ بِالدَّرَاهِمِ سواء نقصت قيمتها أو زادت واختلف «١٤- أحكام لث»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute