جزء من الحق، في أجزاء من الباطل، في سياق يصرف الناس اخر الأمر عن الله، ويبعدهم عن ساحته.
وأعظم نكبة أصابت الأديان إثر عدوان الوثنيات عليها، ما أصاب شريعة عيسى ابن مريم عليه السّلام من تبدّل مروّع، ردّ نهارها ليلا، وسلامها ويلا، وجعل الواحدة شركة، وانتكس بالإنسان، فعلق همته بالقرابين، وفكره بالألغاز المعمّاة.
إن خرافة الثالوث والفداء تجددت حياتها بعد ما أفلحت الوثنية مرتين: الأولى في إقحامها إقحاما على النصرانية الجديدة، وبذلك انتصرت الوثنية مرتين: الأولى في تدعيم نفسها، والاخرى في تضليل غيرها.
فلما جاء القرن السادس لميلاد عيسى عليه السّلام؛ كانت منارات الهدى قد انطفأت في مشارق الأرض ومغاربها؛ وكان الشيطان يذرع الأقطار الفيح، فيرى ما غرس من أشواك قد نما وامتد.
فالمجوسية في فارس طليعة عنيدة للشرك الفاشي في الهند والصين، وبلاد العرب وسائر المجاهل.
والنصرانية التي تناوئ هذه الجبهة قبست أبرز ماثرها من خرافات الهنود والمصريين القدامى، فهي تجعل لله صاحبة وولدا؛ وتغري أتباعها في (رومة) ومصر والقسطنطينية بلون من الإشراك أرقى مما ألف عبّاد النيران وعبّاد الأوثان، شرك مشوب بتوحيد يحارب شركا محضا.
ولكن ما قيمة هذه النقائض التي جمعت النصرانية بين شتاتها؟:
ويظهر أنّ اصرة الشرك بين المجوسية والديانات السماوية المشوّهة هي التي جعلت هذه الأحزاب إلبا على المسلمين يوم بدؤوا يقيمون جماعتهم على عبادة الواحد الحق، وقد نبّأ الله هذه الأمة بأن الأذى سوف ينصبّ عليها من عبدة الأصنام، ومن أهل الكتاب في ان، ووصاها أن تتذرع بالصبر أمام هذا التحامل.