المهاجرون والأنصار في ميدان الشرف، وأخذ اللواء الإسلاميّ يتقدم خطوة خطوة، وشعار المسلمين في هذا الالتحام: «أمت، أمت» .
وكانت نسوة قريش دائبات على استنهاض رجالهم، يضربن بالدّفوف، ويحرّضن على القتال، تقودهنّ هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان.
فكانت تقول- حاثّة بني عبد الدار على إبقاء لواء مكة مرفوعا-:
ويها بني عبد الدّار ... ويها حماة الأدبار
ضربا بكلّ بتّار!!
وتؤزّ قومها على القتال منشدة:
إن تقبلوا نعانق ... ونفرش النّمارق
أو تدبروا نفارق ... فراق غير وامق
وقد بذلت قريش أقصى جهدها لتحطّم عنفوان المسلمين، لكنها أحست العجز، وانكسرت همّتها أمام ثبات المسلمين وإقدامهم.
قال ابن إسحاق: ثم أنزل الله نصره، وصدق وعده، فحسّوهم بالسيوف حتى كشفوهم عن المعسكر، وكانت الهزيمة لا شكّ فيها.
روى عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: والله لقد رأيتني أنظر إلى خدم سوق هند بنت عتبة وصواحبها مشمّرات هوارب، ما دون أخذهنّ قليل ولا كثير!!.
قد يجد المرء نفسه في حفل يموج بالأنوار، وتنتشر في أجوائه الأشعة المبصرة، ثم يقع خلل مفاجئ يقطع التيار، فإذا المصابيح تعتم، ثم يسود المكان ظلام موحش سقيم!!.
إن هذا مثل للتحول المستنكر الذي قلب سير الحوادث في معركة أحد.
لحظة يسيرة من لحظات الضعف الإنساني عرضت لفريق من الجند، فأوقعت الارتباك في صفوف الجيش كلّه، فضاعت في ساعة نزق كلّ المكاسب التي أحرزتها الشجاعة النادرة والتضحية البالغة!.
لقد علمت كيف شدّد الرسول عليه الصلاة والسلام على الرماة أن يلزموا أماكنهم صيانة لمؤخرة المسلمين، وأوصاهم ألا يبرحوها أبدا، ولو رأوا الجيش تتخطفه الطير؟ غير أنّ أثارة من حبّ الدنيا عصفت بهذه الوصاة في ساعة غفلة؟