للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فما أن رأى الرماة الهزيمة حلّت بقريش، النساء يهمن في الجبل، والرجال يولّون الأدبار، والغنائم التي خلّفها ثلاثة الاف مشرك تزحم الوادي ... حتى غادروا مواقعهم هابطين إلى الميدان، يبغون انتهاب أنصبتهم من الأسلاب والأموال!.

وكان فرسان المشركين بقيادة خالد بن الوليد محصورين، لا يجدون ثغرة ينفذون منها إلى قلب المسلمين، إلى أن حلّت الهزيمة، فلما رأى خالد أنّ مؤخرة المسلمين انكشفت، فلم يبق عليها حارس، اهتبل الفرصة على عجل، فاستدار بالخيل، وأحدق بخصومه منحدرا عليهم من حيث لا يحتسبون. ورأى الفارّون من قريش بوادر هذا التغير الطارئ، فتراجعوا، حتى إنّ امرأة تدعى عمرة بنت علقمة الحارثية هي التي رفعت لواء قريش من التراب، بعد أن سقط وصرع حملته، وثاب المشركون إلى رايتهم وخيالتهم فأحيط الصحابة من الأمام والخلف، ووقعوا بين شقي الرحى..

على أنّ الرجال الأحرار لا يصادون بسهولة، إنهم شدهوا لما حدث.

ولكنّهم أخذوا يقاتلون بحرارة، وإن كان هدفهم هذه المرة أن ينجوا فحسب! أن يبصروا طريقا يخلّصهم من هذا المأزق العضوض!.

واستشهد كثير وهم يحاولون شقّ طريقهم، واستطاع المشركون أن يخلصوا قريبا من النبي صلى الله عليه وسلم، فرماه أحدهم بحجر كسر أنفه ورباعيته وشجّه في وجهه، فأثقله، وتفجّر منه الدم «١» . وشاع أنّ محمدا صلى الله عليه وسلم قتل، فتفرّق المسلمون، ودخل بعضهم المدينة، وانطلقت طائفة فوق الجبل، واختلطت على الصحابة أحوالهم، فما يدرون كيف يفعلون..

إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل يصيح بالمؤمنين: «إليّ عباد الله، إليّ عباد الله» ! فاجتمع إليه نحو ثلاثين رجلا، غير أنّ المشركين بصروا بهم فهاجموهم! ووقف طلحة بن عبيد الله، وسهل بن حنيف، إلى جوار الرسول عليه الصلاة والسلام، فأصيب طلحة بسهم في يده فشلّها.


(١) رواه ابن جرير في تاريخه عن السدي مرسلا كما في (البداية) : ٤/ ٢٣؛ وكسر رباعيته صلى الله عليه وسلم وشج رأسه ثابت في مسلم: ٥/ ١٧٩، من حديث أنس؛ ورواه البخاري: ٧/ ٢٩٢، معلّقا.

<<  <   >  >>