للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من الأنصار، فقاتل حتى قتل! ثم رهقوه، فقال: «من يردّهم عنّي وله الجنّة» فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنصفنا أصحابنا» يعني من فرّوا وتركوه.

وتركت هذه الاستماتة أثرها، ففترت حدّة قريش في محاولة قتل الرسول صلى الله عليه وسلم وثاب إليه أصحابه من كلّ ناحية، وأخذوا يلمّون شملهم، ويزيلون شعثهم.

وأمر النبي صلى الله عليه وسلم صحبه أن ينزلوا قريشا من القمة التي احتلوها في الجبل قائلا: ليس لهم أن يعلونا، فحصبوهم بالحجارة حتى أجلوهم عنها «١» .

إن الإفلات من عواقب هذا الانكسار الشنيع عمل لا يقل- في خطره- عن الانتصار الأول، وقد اتجه عزم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بذل كل جهد ممكن في سبيل مقاومة قريش، حتى لا تظفر بشيء غنيمة باردة، بل حتى تثقل بها مغارمها، فلا تطمع في مزيد من إيذاء المسلمين، فكان ينثل السهام من كنانته، ويعطيها سعد بن أبي وقاص ويقول: «ارم فداك أبي وأمي» «٢» .

وكان أبو طلحة الأنصاري راميا ماهرا في إصابة الهدف، قاتل دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان إذا رمى رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم شخصه ينظر أين يقع سهمه، ويرفع أبو طلحة صدره قائلا: هكذا بأبي أنت وأمي، لا يصيبك سهم، نحري دون نحرك «٣» ، ويقول: إني جلد يا رسول الله، فوجهني في حوائجك، ومرني بما شئت!! وقد نجح الرماة حول رسول الله صلى الله عليه وسلم في ردّ المشركين الذين حاولوا صعود الجبل، وبذلك أمكن المسلمين الشاردين أن يلحقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ومن معه.

إلا أنّهم جاؤوا وكأنما خرجوا من عماية حتى إنّ بعضهم- من فرط الغيظ والذهول- قاتل أمامه لا يدري من يقاتل، فقتل اليمان والد الصحابي المعروف حذيفة، وصرخ حذيفة: أبي أبي! دون جدوى.

ولمّا تجمّعت فلول المسلمين بعد هذا الكرّ والفرّ، كان الإعياء قد نال منهم


(١) هو من حديث السدي المتقدم.
(٢) رواه البخاري: ٧/ ٢٨٧، من حديث سعد.
(٣) رواه البخاري: ٧/ ٢٨٩- ٢٩٠، من حديث أنس؛ وكذلك أخرجه أحمد: ٣/ ١٠٥، ٢٦٥، ٢٨٦، وعنده في رواية قول أبي طلحة: «إني جلد ... » .

<<  <   >  >>