عليه. إن رسول الله عليه الصلاة والسلام لم يكن يسرد الحديث كسردكم «١» ..!!.
٢- ويجيء بعد رسوخ القدم في فهم القران فهم ما يروى من السنن على وجهه الحق، فخير لمن يقصّر عن فهم السنن أن يحبس لسانه في فمه فلا يقول:
قال رسول الله عليه الصلاة والسلام، ثم يسوق حديثا لا يعرف ما المقصود منه؟!. وإن كان يفهم عبارته الظاهرة واحدها.
وقد بليت السنّة من قديم بمن يحفظ منها الكثير ولا يعي إلا اليسير، وتعجب السيدة عائشة من أبي هريرة حين جلس يروي، ليس لأنّها تتهمه بكذب، بل لأن أسلوب تحديثه يهدر الملابسات التي قيلت فيها هذه الأحاديث بعد ما طويت طيا في سرده الموصول. وقد روى مسلم في صحيحه: أن عمر ضرب أبا هريرة لمّا سمعه يحدّث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام: «من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة» ، ولعلّ عمر فعل ذلك لأنه وجد أبا هريرة يذكر الحديث لمن لا يعي منه إلا أن الإسلام كلمة تقال باللسان ولا عمل وراءها [٢] ، ومنع الحديث- ولو صحّ- إذا أوحى بهذه الجهالة، أفضل من إباحة روايته.
وروى ابن عبد البر عن أبي هريرة نفسه قال: لقد حدّثتكم بأحاديث لو حدّثت بها زمن عمر بن الخطاب لضربني عمر بالدرة!!.
وفقه عمر في هذا المنع: أنه يريد- كما علمت- بناء المجتمع على تعاليم القران، وشغل الأفكار بتدبرها والاستنباط منها، فإذا رويت السنن بعدئذ تلقفتها أذهان نيّرة، فلم تعد بها معناها الصحيح.
يستطيع أبو هريرة- لجودة حفظه- أن يسرد مئة حديث في الصلاة مثلا، وعمر ربما لا يرى حرجا من سرد هذه السنن في مدرسة خاصة، ولكنه يكره أن يشغل جمهور المسلمين بأمر يكفيهم منه القليل، ثم ينصرفون بعده إلى عمل أجدى على الإسلام وأهله.
(١) أخرجه الشيخان في صحيحيهما؛ وأبو داود: ٢/ ١٢٥، طبع التازي؛ وابن عبد البر: ٢/ ١٢١.