للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من رأسه إلى قدمه، ولكن يحدث كثيرا أن ترى من يشتري قلنسوتين ويخرج حافيا، أو من يشتري منديلا ويخرج عاريا!.

إنّ هذا مثل طوائف اشتغلت بالسنّة، ثم- بعد طول تطواف- خرجت على الناس، وفي يديها من السنن سواك، وعمامة مقطوعة الذنب اعتبروها شعار الإسلام، وسرّ ذلك أنهم دخلوا المعرض الحافل، ثم خرجوا منه بعد أن ظنوا الدين كله في حديث أو سنّة محدودة، فأساؤوا بذلك إلى القران والسنّة جميعا.

٣- إن قصر الباع في السنة- على كثرة الاشتغال بها- أضرّ بتوجيه المسلمين، وأشاع بينهم طائفة من الأحكام المبتسرة «١» ، والتقاليد الضيقة، تنبو عنها روح القران والسنّة، وإن اعتمدت على حديث لم يفهم، أو أثر لم يفقه.

وذلك أن الإسلام- في الشؤون الهامة- جاء بطائفة من الأحكام، ذكرت في الكتاب العزيز، أو وردت على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، وهي جميعا متكاملة؛ يصل بعضها بعضا ويوثقه، فإذا ظهر في دليل منها ما يعارض سائر الأدلة، بحث في تأويله حتى يتم الجمع بينها كلها، أو قبل الأرجح سندا، وردّ الاخر «٢» .

ولذلك يرى المحققون «٣» أن سنن الاحاد ترفض إذا خالفت ظواهر الاي، وعموم النص، أو خالفت قياسا يعتمد على أحكام القران نفسه، وهم يفرقون بين الأحاديث التي يرويها رجال فقهاء، والتي يرويها رجال حفاظ فحسب.

ولنضرب لك مثلا يكشف عمّا يصيب الأمم من عقم وضياع، نتيجة فهمها الخاطئ لأثر وارد.

كثير من المسلمين يحكمون على المرأة ألا ترى أحدا ولا يراها أحد، وفي المدينة تسيح النسوة في الطرق، يرتدين خياما مغلقة طامسة، بها خرقان من أعلى لإمكان الرؤية، وقد تختفي هذه الخروق وراء قطع من الزجاج أو الباغة..

وهذا التقليد السائد يعتمد على حديث سمعت إمام الحرم النبوي يردده من فوق المنبر في خطبة الجمعة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره لنسوته أن يرين عبد الله بن


(١) المبتسرة: المتسرعة التي لم يبذل في تحصيلها جهد وتتبع واستقصاء. (ن) .
(٢) وهذا داخل في نقد المتن. (ن) .
(٣) من الحنيفة فقط، أما الجمهور فلا. (ن) .

<<  <   >  >>