وهي قصَّة تصافِحُ القلوب، وتَسْكُن بها الخواطر، وتُقْتَبَسُ منها اللَّطائف، وتُلْتَمَسُ منها الهداية في المواطن والمواقف، وتقتنص منها غُرَرُ المعاني بعد سَبْرِ المباني، وتحثُّ على التَّفكُّر والاعتبار، والاتِّعاظ والازدجار، والائتمار والانزجار.
ومعاذ الله أنْ أدَّعي أنَّني قد عرفت ما لم أُسْبَق إليه، وما لم أُزَاحم عليه، وما لم يَطَّلِعْ أحَدٌ عليه، وما لم تصل أنظارٌ إليه، فما أنا إلَّا بَنَانُ كَفٍّ ليس فيها سَاعِد، لي همَّة لكن لا مقدرة لي على بلوغ ما في نفسي من هوىً في علوم القرآن.
وأنا أعلم أنَّ لعلمائنا الأوائل في هذه العلوم عطاءً غَدَقاً، وما أنا بأهل أن أنطق بلسانهم، فكيف لي أن أبلغ مراتبهم، فليس الصَّحيح إذا مشى كالمقعد، وليس البَحْرُ العَذْبُ الفرات السَّائغ الشَّراب كالماءِ الملح الأُجَاج، فما أنا إلَّا طالبُ علمٍ أراد أن يَشْغَلَ نفسه بالعلوم الَّتي تقرِّب إلى الله، وتُعِينُ على الوصول إلى رضاه.
فالمؤمن لا ينشغل بالدُّنيا عن الآخرة، ولا يُلْهِه الأَمَلُ عن الأَجَل، فالله تعالى يقول: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (١٦)} [الحديد] وإنَّما المؤمن يبيع نفسه ابتغاءَ مرضاة الله، وينفق عمره في الدَّعوة إلى الله على بصيرة اتِّباعاً للنَّبِيِّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ وأصحابه ـ رضي الله عنهم ـ، وطاعة لله تعالى إذ يقول لنبيِّه ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ... (١٠٨)} [يوسف].
فهذه الآية من سورة يُوسُفَ رَسَمَتِ المنهج الحقَّ لكلِّ متَّبعٍ للنَّبِيِّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ أن يكون داعيةً إلى الله على بصيرة، والأمَّة اليوم قد بَعُدت عن عهد النُّبوَّة؛ فشاع في بعض جوانبها بُعْدٌ عن المنهج النَّبويِّ.