وفي قولهم: {مَاذَا تَفْقِدُونَ (٧١)} بدل: ماذا سرقنا؟ توجيه لهم إلى مراعاة حُسْنِ الأدب في الخطاب، وعدم المجازفة بنسبة السَّرقة إليهم، ولهذا التزموا الأدب معهم.
{قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ} وأضافوا الصّواع إلى الملك لتهويل سرقته {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} أي ولمن جاء بالصِّواع حمل بعير من الطَّعام مكافأة له {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (٧٢)} أي وأنا ضمينٌ، وكفيلٌ، يتعهَّد بتحقُّق هذا الوعد، والظَّاهر أنَّ الزَّعيم هو المؤذِّن.
{قَالُوا} أي إخوة يوسف: {تَاللَّهِ} قسمٌ فيه معنى التَّعجُّب {لَقَدْ عَلِمْتُمْ} وتحقَّقتم من أمانتنا في كرَّتي مجيئنا أنَّا {مَا جِئْنَا} مِصْرَ {لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ} ونعيث في بلادكم، {وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ ... (٧٣)} قطُّ.
وفي الآيتين تنبيه إلى ترك الإسراع في إلقاء التُّهم، والإقلاع عمّا لا يجوز من الكَلِم، وفيها ما يجب على الإنسان من ردّ البُهتان، ونفي البَاطل البيِّن البُطْلان.
[من علوم المعاني الاعتراض]
الاعتراض: هو أن يأتي في أثناء الكلام كلمة أو كلام لا محل له من الإعراب، لنكتة سوى رفع الإبهام، وزيادة اللَّفظ تمكّناً، وإنَّما لإفادة معنى آخر، مع أنَّ اللّفظ يستقلُّ ويلتئم بغير الاعتراض، كتقرير إثبات البراءة في قوله تعالى حكاية عن إخوة يوسف: {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ ... (٧٣)} فقوله تعالى: {لَقَدْ عَلِمْتُمْ} اعتراض، والنّكتة فيه تقرير إثبات البراءة من تهمة السَّرقة.
وكالتَّنزيه في قوله تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ