تعيير، ولا تأنيب، ولا لوم، ولا انتقام، ولا ثأْر، ولا حِسَاب؛ لأنَّ النُّفوس الكِبَار فَوْقَ الأحقادِ والأضْغَان.
فما أنْ سَمِعَ مقالهم واعتذارَهم حتَّى أَقَالَ ذَنْبَهم وعثراتهم، {قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} ... : غَفَرَ، وَصَفَحَ، وعفا، أي لا عتب عليكم، ولا تعيير، ولا تذكير، قد سامحتكم، وعفوت عنكم.
ثمَّ توَّج العَفْوَ بالدُّعاء بالمغفرة لهم، فقال: {يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٩٢)} مُتَعرِّضِاً لرحمته تعالى له ولهم، ويلاحظ أنَّه دعا لهم بالمغفرة ولم يطلبوها منه، بينما سيأتي لهم أن يطلبوا من أبيهم أن يستغفر لهم، فيكون جوابه: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ... (٩٨)} وهذا على كلِّ حال مشعر بعفوه عنهم.
وكَرَمُ يُوسُفَ البَالغ بالعفو أصبح مضربَ الأمثال، فعبارته الكريمة:{لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ} مثلٌ رائعٌ في السَّماحة والعَفْو وكرم الإخاء، فهو عَفْوٌ عند المقدرة لا لوم فيه ولا عتاب، وتنازل عن الحقِّ لا شَحْنَاءَ فيه ولا ضَغْناء.
فيا لله ما أجملَ هذا العفْوَ! وما أعزَّ صاحبه!
فإذا عزَّ أخوك فَهُنْ، واترك الخلاف، فإنَّ ذلك يُذْهِبُ الحَفِيْظَة، ويَرتُقُ الخَرْقَ، أنشد الأصمعي:
إذا ما امرؤ سَاءَتْكَ منه خَلِيقَةٌ ... ففي الصَّفْح طيٌّ للذُّنُوب جميلُ