للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تكون الجملة الثَّانية بياناً للأولى، أو توكيداً لها، ويسمَّى كمال الاتِّصال، نحو قوله تعالى حكاية عن النِّسوة: {مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١)} ففي الجملة الأولى {مَا هَذَا بَشَرًا} نوع من الخفاء، فَفُصِلَت الجملةُ الثَّانية {إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١)} لأنَّها بيان لما قبلها، ولأنَّها مؤكِّدة أيضاً للجملة الأولى في نفي البشريَّة.

ومن المواضع الَّتي يحسن فيها الفصل أن تقع الجملة الثَّانية جواباً عن سؤال يفهم من الجملة الأولى، ويسمَّى شبه كمال الاتِّصال، نحو قوله تعالى حكاية عن امرأة العزيز: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ... (٥٣)} فقد فُصِلَت جملة {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} عن جملة {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي} لأنَّ الثَّانية جواب عن سؤال يفهم من الأولى، فقوله: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي} أوجد سؤالاً: لم لا تبرِّئين نفْسَكِ؟ فجاءت الجملة الثَّانية جواباً {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}.

والجواب ـ كما هو معلوم ـ شديد الارتباط بالسُّؤال، ولذلك وقع الفصل في الجملة الثَّانية لقوَّة ارتباطها المعنوي بالجملة الأولى.

تَجاهُل العَارِف

تجاهل العارف ومزج الشَّكِّ باليقين فنٌّ من فنون البديع: وهو سُؤَال المتكلِّم عمَّا يعلمه حقيقةً تجاهلاً منه لنكتة، وهو على قسمين: منفيّ وموجب، وقد جاء منه في سورة يُوسُفَ ما لا يُلْحَقُ سَبْقاً، فمن القسم المنفي جاء قوله تعالى حكاية عن نسوة المدينة: {مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١)} مبالغة في تأكيد المدح، فخرج الكلام بمعنى بليغ ولفظ فصيح لم يقع في فصاحة العرب، فقد كانوا يشبِّهون كلَّ من راعهم حُسْنُهُ وجماله بالجنِّ.

وممَّا ورد في القرآن الكريم من القسم الثَّاني الموجب (المثبت)، قوله تعالى:

<<  <   >  >>