{قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ} فما أشبهَ الليلةَ بالبارحة! فلا أخالُ وعدكم بحفظ أخيكم إلَّا كوعدكم سابقاً بحفظ يُوسُفَ، وما رأيتُ من حفظكم شيئاً؛ لذا فأنا لا أثق كثيراً بحفظكم {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٦٤)} فأسأله ألَّا يجمعَ عليَّ مصيبتين.
ويظهر أنَّ جملة {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٦٣)} ما زالت ترنُّ في أذنِ يعقوب ـ - عليه السلام - ـ من يوم أخذوا يُوسُفَ؛ لذلك أسندَ هذه المرَّة الحفظ للحافظ، قال:{فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا}، ومعناه: لا أعتمد على حفظكم له، فحفظُ الله تعالى خيرٌ من حفظكم.
ولم يكن خوف يعقوب ـ - عليه السلام - ـ على ابنه لصِغَرِ سِنِّه أو من ذئب أو نحوه، ولكن الخوف من رجالٍ عشرة عَهِد منهم سابقاً ما يدعو إلى الخوف ويقود إلى الحذر، لا سيَّما أنَّه لم يعاقبهم المرَّة الأولى على إيقاعهم بيُوسُفَ ممَّا قد يجرِّئهم على أخيهم الآخر.
إِغراءُ الإِخوة لأبيهم
{وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ}: أي ولمَّا حطُّوا رحالَهم وفتحوا الأوعية التي وضعوا فيها الميرة {وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ} الَّتي أخذوها معهم ثمناً للميرة قد {رُدَّتْ إِلَيْهِمْ}.
عندها توجَّهوا بالحديث لأبيهم وبِلِسَان الظَّافر بما يبرهن كلامه، {قَالُوا يَاأَبَانَا مَا نَبْغِي} وأي شيء نَطْلُبُ من إِكرام العزيز أعظمَ من هذا الإكرام؟
{هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا} وهو من تَسْمِيَة الشَّيء بما كان عليه، وهو مجاز