للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأدار شؤونها، فخطَّط للزِّراعة والإِنتاج، وادَّخر في سنوات الخصب الحَبَّ في سنبله ليواجه سبع سنوات لا زرع فيها ولا ضَرْع، ودبَّر لعدالة التَّوزيع، وضمن الكفاية بلا تقتير ولا تبذير، ودعاهم إلى الإِيمان والتَّوحيد، فدفع الله به الشِّدَّة عن النَّاس، ونجَّى الله تعالى به مِصْرَ في أشدِّ أيَّام جدبها من المجاعة المهلكة.

وبذلك يكونُ يُوسُفُ ـ - عليه السلام - ـ قد أدَّى الأمانة، وبلَّغ الرِّسالة، لكنَّهم لم يجيبوه في مسألة الدَّعوة إلى التَّوحيد والإِيمان قال مؤمن آل فرعون: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا ... (٣٤)} [غافر].

مَجِيءُ إخوة يُوسُفَ مِصْر لشراءِ القمح

صَدَقَ تفسيرُ يُوسُفَ بمجيء السِّنين السَّبع الخصبة، ثمَّ تلتها سِنُو الجوع، فأصاب أهلَ مِصْرَ وما جاورها من البلاد، وخاصَّة فلسطين، الجَدْبُ والقَحْطُ.

وكان يُوسُفُ قد وفَّر من أقواتِ مِصْر ما يُبَاعُ لجيرانها، فورد النَّاسُ على يُوسُفَ من سائر البلاد يبتغون الميرة (الطَّعام)، وعلم يعقوب ـ - عليه السلام - ـ وبنوه أنَّه يوجدُ قَمْحٌ في مصر، فأرسلهم جميعاً ليمتاروا ما عدا (بنيامين) شقيق يوسف لأبيه وأمِّه، لم يقدرْ على فراقه.

{وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ} أي ودارت الأيَّام وكرَّت الأعوام، فجاءت سِنُو القحط الغَبْراء، وجاء إخوة يُوسُفَ مصر، وهذا من اختصار القرآن المعجز، {فَدَخَلُوا عَلَيْهِ}: على يُوسُفَ، المشرف العام على خزن الغلال، {فَعَرَفَهُمْ} يُوسُفُ؛ لأنَّ صورهم كانت قد طُبِعَتْ في ذاكرته وهم كبار، فلم يطرأ على ملامحهم ذلك التغيُّر، {وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٨)} لم يعرفوه لهيبة الملك، وبعد العَهْد، وتغيُّر الملامح والتَّقاسيم، وظنِّهم هلاكه.

<<  <   >  >>