{قَالُوا} قَوْل مُنْكِرٍ مُستَغْرِبٍ: نُقْسِمُ لَكَ {لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} جَمَاعَة {إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ (١٤)} وَلَنْ نَكُونَ خاسِرينَ البَتَّةَ، وفِي كلامِهِم وَعْدٌ ضِمْنيٌّ لأبيهِم أنَّهم لن يَغْفَلُوا عنه خاصَّة أنَّهم عُصْبَةٌ جماعة قَويَّةٌ، وكأنَّ قُوَّةَ العَبْدِ تَحْفَظُ، ومَتى كانت قُوَّةُ العَبْدِ تُغْنِي عن قُوَّةِ الرَّبِّ؟!
وقَدْ تَجَاهَلُوا لأبِيهِم وتَهَرَّبُوا من الإِجَابَةِ على حُزْنِهِ، كأنَّهُم ما فَهِمُوا إلَّا أنَّهُ يَأْمَنُهُم على يُوسُفَ لكنَّهُ يَخَافُ عَليهِ من الذِّئبِ في سَاعَةِ غَفْلَةٍ مِنْهُم.
وَدَنَتْ سَاعَةُ الفِراق، فَقَد أرسلَهُ ـ - عليه السلام - ـ مَعَهُم، وذَلِكَ لمَّا سَمِعَ المَواثِيقَ والعُهُودَ: {وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (١١)}، {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (١٢)}، {إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ (١٤)} وقَد قِيلَ:"مَنْ خَدَعَنا في الله انْخَدَعنا له".
يُوسُفُ في غَيابَةِ الجُبِّ
ولَمْ يَلْبَثُوا إلَّا قَليلاً حتَّى كَذَّبُوا أنْفُسَهُم فِيما أقْسَمُوا، وأخْلَفُوا ما وَعَدُوا، ولم يُراعُوا لأبِيهِم عَهْداً، ولم يَفُوا له وَعْداً، مَعَ أنَّ الوَفَاءَ بالعَهْدِ من واجِبَاتِ الدِّينِ {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (٣٤)} [الإسراء]