بناء أَفْعَل في التَّفْضِيل لِلْمُشْتَرِكَيْنِ فِي الشَّيْءِ، وقوله:
{السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} من المعلوم أنَّ اسم التَّفضيل: صفة تؤخذُ من الفعل للدَّلالة على أنَّ شيئين اشتركا في صفة معيَّنة، وزاد أحدهما على الآخر فيها. وله أركان ثلاثة: اسم التَّفضيل، والمفضَّل، والمفضَّل عليه.
واسم التَّفضيل في قوله: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ... (٣٣)} هو أحبّ، والمفضَّل: السّجن، والمفضَّل عليه: ما يدعونه إليه.
ولكن لا يفهم من قوله أنَّ المفضَّل والمفضَّل عليه اشتركا في صفة الحبِّ، فلم يكن المدعُوُّ إليه حبيباً إلى نفس يُوسُفَ البتَّة، ولكنَّه مثل قول القائل: الجنَّة أحبّ إليَّ من النَّار، والإسلام أحبّ إليّ من سائر الأديان.
وهذا يطْمِسُ وجوه الَّذين قالوا ما قالوا في يُوسُفَ، ونسبوا إليه ما لا يليق به ـ - عليه السلام - ـ، فيُوسُفُ ما أحبَّ ما يدعونه إليه، وما همَّ من قبل بشيء؛ فالهمُّ ما تمَّ لأنَّ برهان ربِّه من ثَمَّ كما تقرَّرَ، فما لهؤلاء القوم {لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (٩٣)} [الكهف]
سرُّ قراءة لفظ {السِّجْنُ} بوجوه في موضع، وقراءته بوجه واحد في المواضع الأخرى
قوله: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ... (٣٣)} قرأ يعقوب: (السَّجن) بفتح السِّين، على أنَّه مصْدر، أريد به الحبس. وقرأ الباقون: {السِّجْنُ} بكسر السِّين على أنَّ المراد به المكان.
وقد اتَّفق القرَّاءُ على كَسْرِ السِّين من {السِّجْنُ} في المواضع الأخرى، وهي قوله تعالى: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ ... (٣٦)}، وقوله تعالى: {يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (٣٩)}، وقوله تعالى: