وقد أخبر الله تعالى عن معرفة يُوسُفَ لإخوته بالجملة الفعليَّة {فَعَرَفَهُمْ} لإفادة التَجدُّد، فقد تجدَّدت معرفته لهم من أوَّل الأمر، وأخبر عن جهلهم به بالجملة الاسميَّة {وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} لإفادة الثُّبوت والاستمرار، فهم ثابتون على جهلهم بيُوسُفَ، ويلاحظ أنَّ بين {فَعَرَفَهُمْ} و {مُنْكِرُونَ} طباق إيجاب بديع.
مطالبة يُوسُفَ إخوته بإحضار أخيهم
{وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ}، وأوقر ركائبهم بما جاؤوا لأجله من الطَّعام وأوفى، وأعطاهم ما يحتاجون إليه في سفرهم، ودفعوا الثَّمن، {قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ} ولم يقل: بأخيكم؛ مبالغة في إظهار عدم معرفته بهم.
ويظهر أنه قد سألهم عن أحوالهم، فأخبروه عنها بالتَّفصيل، فلذا {قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ} لأراه، وهذه الجملة كانت بمثابة لُغْزٍ مِن يُوسُفَ لأبيه لا يحلُّه إلَّا يعقوب ـ - عليه السلام - ـ، فمتى نُقِلَت إليه وضعت يده على طرف الخيط الذي يدلُّ على يُوسُفَ، فما حاجة عزيز مِصْرَ لرؤية أخيهم؟! ولذلك سيأتي له أن يقول لبنيه:{يَابَنِيَّ اذْهَبُوا} لمِصْرَ {فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ}، فهو يظنُّ يُوسُفَ هناك.
[إغراء وتحذير]
ثمَّ أخذ يحبِّب ويرغِّب إليهم المجيء ثانية مع أخيهم، فقال لهم بلهجة السُّرور:{أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ} الذي تكتالون وأزيده ولا أبخسه {وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٥٩)} خير المضيفين.
وبعد هذا التَّشويق قال محذِّراً:{فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ} كما اتَّفقنا، {فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي} ليس لكم عندي طعامٌ أكيله مستقبلاً {وَلَا تَقْرَبُونِ (٦٠)} في بلادي