وركب الإِخوةُ دوابَّهم عائدين إلى أبيهم فرحين يحملون البِشَارة، ولله درّ القائل:" لقاءُ الإخوان جلاء الأحزان"{وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ} أي ولمَّا خَرَجَتِ القافلةُ من مصر متوجِّهةً بهم لفلسطين، {قَالَ أَبُوهُمْ} يعقوبُ ـ - عليه السلام - ـ لِمَنْ عنده مِنْ أهله:{إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ} إنِّي لأشمُّ رائحة يوسُفَ {لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ (٩٤)} لولا أن تنسبوني إلى الفَنَد، وهو الخرف وذهاب العقل من الكبر والجهل، وجواب الشَّرط محذوف، تقديره: لصدَّقتموني أو لأخبرتكم بحياته، فمن صدقت سريرته انفتحت بصيرته.
وما كاد يعقوبُ ـ - عليه السلام - ـ يتمُّ حَدِيثَه حتَّى واجهه الحاضرون من أهله وقرابته بالانتقاد، {قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ (٩٥)} أي نُقْسِمُ إنَّك لفي خطئك القديم الَّذي كُنْتَ عليه من حُبِّ يُوسُفَ ودوام ذِكْرِه.
{فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ}، وهو أحد أبناء يعقوب ـ - عليه السلام - ـ يبشِّرُ بِلُقْيَا يُوسُفَ مع أخيه حَامِلاً قميص يُوسُفَ ورسالته {أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ} أي ألقى البشير القَمِيصَ على وجه يعقوب ـ - عليه السلام - ـ {فَارْتَدَّ بَصِيرًا}، فرجع مبصراً من شدَّة فرحه وسروره:
فما بَعُدَتْ عن اللُّقْيا جُسُومٌ ... تدانت بالمحبَّةِ والوِدَادِ (١)
وهنا واجه يعقوب ـ - عليه السلام - ـ مَن بحضرته بالخطاب، {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٩٦)} ألم أقل لكم: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي
(١) " نفح الطّيب " (ج ٣/ص ٤٨٠) والبيت لأبي الصلت أميّة بن عبد العزيز الأندلسي، وقد ورد في " خريدة القصر وجريدة العصر " للعماد الأصبهاني.