رؤيا لأنَّه غالباً ما يُرَى ولا يُسْمَع، لذلك قال يُوسُفُ لأبيه:{إِنِّي رَأَيْتُ}، وقال الفتيان:{إِنِّي أَرَانِي}، وقال الملك:{إِنِّي أَرَى} وقال إبراهيم ـ - عليه السلام - ـ لابنه إسماعيل {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ ... (١٠٢)} [الصّافات].
ومن اللَّطيف والطَّريف أنَّ سورة يُوسُفَ الَّتي كثرت بها الرّؤى، افتتحت بحروف مقطَّعة معجزة {الر} وهي نصف حروف كلمة (الرؤيا).
ابتِدَاءُ البلاء ونهايته برؤيا
كان ابتداء بلاء يُوسُف ـ - عليه السلام - ـ بِسَبَبِ رؤيا رآها، وكان سَبَبُ نجاتِهِ رؤيا رآها الملك، فالله تعالى إذا أراد أمراً أجرى أسباباً يحصل بها مرادُه، سبحانه!
ثَمَرَةُ الإحْسَان
{وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا} من السِّجن، وهو السَّاقي {وَادَّكَرَ} أي بعدما تذكَّر ما سبق له مع يُوسُفَ {بَعْدَ أُمَّةٍ} أي طائفة من الزَّمن: {أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ} ممَّن عنده علمه {فَأَرْسِلُونِ (٤٥)} إلى يُوسُفَ. ولم يصرِّح باسمه حتَّى يحظى وحده بشرف السَّبب في دلِّ الملك على يُوسُفَ معبِّر الرؤى، وضمير الجمع (الواو) في {فَأَرْسِلُونِ} يريد به الملك على سَبِيل التَّعظيم.
وحقّاً ما دلَّ مليكَ مِصْرَ على يُوسُفَ وإحسانه إلَّا هذا الفتى الذي سَخَّره اللهُ تعالى له، والَّذي عَرَفَ إحْسَانَ يُوسُفَ وفضلَه، فأثمر عنده الإحسان بعد طول النِّسيان، ووفَّى بالوَعْد بعد طول العَهْد، فالصُّحبة تعطي خيراتها وإن كانت تُبْطِي، وصدق القائل:
ازْرَعْ جمَيلاً ولو في غَيْرِ مَوْضِعِهِ ... فلَن يَضيعَ جميلٌ أَيْنَما زُرِعَا