للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لسان يُوسُفَ، وجاء بمعنى الحكم التَّشريعيّ، والثَّاني: على لسان يعقوب، وجاء بمعنى الحكم القدريّ.

فيُوسُفُ ـ - عليه السلام - ـ لمَّا دعا صاحبي السِّجن إلى التَّوحيد، قال: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ ... إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٤٠)}، فقرّر لهما أنَّ الحكم التَّشريعيَّ لله وحده.

ويعقوب ـ - عليه السلام - ـ لمَّا نهى أولاده عن الدّخول من باب واحد وأمرهم بالتَّفرّق، قال لهم في مقام الرِّضا بقدر الله: {يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (٦٧)} فنصَّ لهم على أنَّ الحكم القدريّ لله وحده.

التَّقدِيرُ أقوى مِنَ التَّدبير

التزم الأولادُ وصيَّةَ أبيهم ممَّا يظهر لنا حُسْنَ طاعتهم، قال تعالى: {وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ} {مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ}، {مَا كَانَ} ذلك التَّحفُّظ {يُغْنِي} يدفع {عَنْهُمْ مِنَ} قدر {اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ}؛ فالتَّقدير غالبٌ للتَّدبير، والإنسانُ وديعةُ غَيْب، وأسير قَدَر {إِلَّا حَاجَةً} غاية {فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا} قالوا: هي دفع إصابة العين عنهم، وقالوا غير ذلك. قلت: والله تعالى أعلم بما كان في نفسه ـ - عليه السلام - ـ. ثمَّ زكَّى الله تعالى علم يعقوب، فقال: {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ} أي وإنَّ يعقوب ـ - عليه السلام - ـ لذو علمٍ واسعٍ لأجل تعليمنا إيَّاه بالوحي والإلهام، فهو عامل بما عَلِم، وهذا ثناءٌ من الله تعالى على يَعْقُوبَ.

<<  <   >  >>