و جملة {لَيَسْجُنُنَّهُ}: فاعل (١) للفعل (بدا)، أي بدا لهم أن يسجنوه.
تجاور نوني التَّوكيد الثَّقيلة والخفيفة في آية من سُورة يُوسُفَ
نون التَّوكيد قسمان: ثقيلة، وخفيفة. وقد وقع التَّوكيد بالثَّقيلة في القرآن غير مرَّة، أمَّا التَّوكيد بالخفيفة فلم يرد في القرآن إلَّا في موضعين: الأوَّل في قوله تعالى: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (١٥)} [العلق] والثَّاني في قوله تعالى: {وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ (٣٢)} [يوسف].
ومن لطائف البيان القرآني اجتماع نوني التَّوكيد الثَّقيلة والخفيفة في آية من سُورة يُوسُفَ، فقد جمعها قوله تعالى: {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ (٣٢)} [يوسف] والآية تتحدث عن تهديد امرأة العزيز ليُوسُفَ بالسّجن والإذلال. ويلاحظ أنَّ النُّون الثَّقيلة أُدخلت على تهديده بالسَّجن، بينما أُدخلت النُّون الخفيفة على تهديده بالإذلال.
والظَّاهر أنَّ الفعل {لَيُسْجَنَنَّ} باشرته نون التَّوكيد الثَّقيلة؛ لأنَّ امرأة العزيز عازمة عزماً أكيداً على سجنه، ولعلَّ ما يؤيّد ذلك أنَّ هذا الفعل جاء مؤكَّداً بالثَّقيلة مرَّة ثانية لمّا بدا لهم أنَّ المصلحة تقتضي سجنه؛ إيهاماً لتبرئتها، قال تعالى: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (٣٥)}.
(١) هذا مذهب سيبويه، وخالفه آخرون؛ لأنَّ الفاعل لا يكون جملة، ولا يجوز إسناد الفعل إلى فعل آخر، وقيل: الجملة المؤكَّدة باللّام لا تأتي في موضع فاعل، وإنَّما في موضع مفعول لفعل تقديره (علموا)، لأنَّ في الآية ما هو معناه، فقوله: {بَدَا} أي ظهر للقلب، وما ظهر للقلب فقد عُلِمَ، وبذلك تكون الجملة المؤكَّدة باللَّام {لَيُسْجَنَنَّ} مفعولاً به للفعل علموا، وفاعل الفعل {بَدَا} هو المجرور من قوله: {لَهُمْ} وهو فاعل في المعنى، وقيل: الفاعل ما دلَّ عليه بدا، وهو المصدر، أي بدا لهم بَدَاءٌ، فحذف الفاعل لأنَّ الفعل يدلُّ عليه، وقيل: الفاعل مضمر، وتقديره: رأي، أي بدا لهم رأيٌ، وحذف الفاعل لدلالة {لَيَسْجُنُنَّهُ} عليه، وقيل غير ذلك