إنَّ العبرة بالخواتيم والأواخر، فرغم ما وقع من إخوة يُوسُفَ؛ إلَّا أنَّ يُوسُفَ رآهم (كواكب)؛ لأنَّهم أنابوا وندموا آخر أيامهم وتابوا، فمن قولهم لأخيهم يُوسُفَ: {وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (٩١)}، ومن دعاء يُوسُفَ لهم: {يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٩٢)}، ومن قولهم لأبيهم: {يَاأَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (٩٧)}، وقول أبيهم لهم: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٩٨)} نعلم أنَّ خاتمة أعمالهم كانت حَسَنَةً.
آية تلخِّص قصَّة يُوسُفَ
التَّعبير البيانيّ عن القصص القرآنيّ تجده قليل المبنى جمّ المعنى، صافياً من الحشو، قاصراً اللَّفظ على معناه، وهو ما يعرف في علم المعاني بالإيجاز، وهو على ضربين: وجيز بلفظه، ووجيز بحذف، وقد عرض له غير عالم بما يغني عن إعادته هنا.
وقصَّة يُوسُفَ مع ما فيها من إيجاز واختصار، إلَّا أنَّ فيها آيةً تكاد تلخِّص القصَّة من ألفها إلى يائها، وهي قوله تعالى حكاية عن يُوسُفَ: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (١٠٠)}
فإنَّ هذه الآية أوجزت الأسباب الَّتي أدَّت إلى تطوُّر أحداث القصَّة، فقوله:{هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} اقتصر على تحقّق الرّؤيا الّتي كانت سبباً في تعاظم حسد إخوته، وإلقائه في البئر، ثمّ بيعه بمصر، وقوله:{وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} اختصر قصَّة دخوله السّجن وخروجه منه، الَّذي جعله