للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثمَّ قَرَّ رأْيُهُم على أَخْذِهِ من أبيهِم، وإلقائِهِ في ظُلُمَاتِ البِئر: {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ} فَمَا أعْظَمَ القَتْلَ! وَمَا أَشَدَّ عَاقِبَتَهُ! {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (٩٣)} [النِّساء] ويلاحظ بين {اقْتُلُوا} و {لَا تَقْتُلُوا} طباق السَّلب البديع.

{وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ} فَيَكْفِيكُم أن تُلْقُوه في قَعْرِ البِئرِ {يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ} لِيَأْخذَهُ بَعْضُ المَارَّة من المُسَافِرينَ {إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (١٠)} ما أضْمَرْتُم لَهُ من التَّفْريقِ بينه وبين أبيه.

وكَانَ الَّذي نَهَاهُم عن قَتْلِهِ لِبِقاً وفَطِناً وحَذِراً في حَدِيثِهِ، قال: {لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ} ولَمْ يَقُلْ: لا تَقْتُلوا أخانا؛ مُتَجَاهلاً الأُخُوَّةَ والنَّسبَ من الأَبِ بَيْنَهُما، لِيُفْهِمَهُم أنَّهُ واحِدٌ مِنْهُم هذا من ناحية، ومن ناحية أُخْرى فَيَظْهَر أنَّ الجُبَّ (البِئر) الَّذي أَرَادَهُ كَانَ مَعْرُوفاً لَدَيْهِم ولدى النَّاس حيْث كان يأمُلُ أنَّه إذا أُلْقِيَ أَخُوهُ فِيهِ، تكُون له السَّلامةُ والنَّجاةُ من الَّذين يَرِدُونَ هذا البِئرَ؛ فقد جاءَتْ كَلِمَةُ {الْجُبِّ} على لِسَانِهِ مُعرَّفَةً، فلم يَقُل: وألْقُوهُ في غَيابةِ جُبٍّ.

[دقة النظم القرآني في استخدام حروف المعاني]

من جمال اللُّغة العربيَّة أنَّها تفرِّق بين المعاني بطرائق مختلفة، فقد تفرِّقُ بين المعنيين بالحركة، أو برَصْفِ حروف المباني، أو بحرف من حروف المعاني ... وقد صنَّف العلماء كتباً شرحوا فيها معاني الحروف، وبيَّنوا الوجوه الَّتي يتصرَّف الحرف منها.

وقد يعطي الحرف في الجملة ضدَّ ما يعطيه الحرف الآخر، فلو قلْتَ: رَغِبَ في. لكان المعنى أحبَّ، ولو قُلْتَ: رَغِبَ عن. لكان المعنى كره. ولو قُلْتَ: أحمد أحبّ

<<  <   >  >>