"الصَّغير حتَّى يَكْبَر، والمريض حتَّى يَبْرَأ، والغائِب حتَّى يَؤوب" ويُوسُفُ كَانَ صَغِيراً، وفَوقَ ذلكَ يَعْقُوبُ ـ - عليه السلام - ـ كانَ يَتَوسَّمُ فيهِ الصَّلاحَ والتَّقوى والنُّبوَّةَ، وقوَّى ذلكَ تلك الرؤيا الصَّالِحة الَّتي رآهَا يُوسُفُ، فهو مُحِبٌّ له لآمَالِهِ فِيهِ، ولِرَجَائِهِ في مُسْتَقْبَلِهِ.
ومع أنَّ الحبَّ أمْر باطن في الجَنان، ولكنَّ مظاهره لا تخفى على أحد، فهي تبدو على الجوارح والأركان.
ثمَّ ناقَشُوا في اجْتِمَاعِهِم المُغْلَق ما يَصْنَعُونَه في يُوسُفَ، فَفَكَّروا في بادِئ الأمرِ بِقَتْلِهِ، قائِلِينَ:{اقْتُلُوا ... يُوسُفَ}.
يا لله! إلى أيِّ حَدٍّ يَصِلُ الحَسَدُ بِقَلْبِ صَاحِبِهِ؟ إلى حَدِّ البَغِي والعُدْوانِ! نَعَم؛ فَبَواعِثُ الحَسَدِ تُهَوِّنُ الأمرَ العَسِيرِ، وتُسَهِّلُ على العَبْدِ ارتِكَاب المظلمة واقْتِرَافَ الذَّنْب العَظِيم، بل إنَّ الحَسدَ إذَا تَمَكَّنَ مِنَ القُلُوبِ لا يَعْرِفُ أخوَّةً ولا صدَاقَةً، ولا يُفَرِّقُ بين رَفِيقٍ أو حَمِيم.
{يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ} لِيُقْبِلَ أبُوكُم عَلَيْكُم أَنْتُم، ولا يُنَازِعُكم في مَحَبَّتِهِ أحَدٌ، ولا يشْغَلُه عَنْكُم شَاغِلٌ في مَحَبَّتِهِ.
{وَتَكُونُوا مِنْ ... بَعْدِهِ} من بَعْدِ قَتْلِهِ أو طَرْحِهِ ـ والمَآلُ واحِد ـ {قَوْمًا صَالِحِينَ (٩)} بالتَّوبةِ والإنَابةِ إلى الله تَعَالى والرُّجوعِ إليهِ.