للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهكذا تتجلَّى الوحدة الموضوعيَّة في سُورة يُوسُفَ، {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ... (٣٨)} فهي تربط بين رسالات الأنبياء، فالأنبياء جميعاً جاؤوا برسالة واحدة، وهي التَّوحيد، ونبذ الشِّرك.

محسِّنَات بديعيَّة في بعض آية

قوله تعالى حكاية عن يُوسُفَ: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} فيه أنواع من المحسِّنات البديعيَّة، حسبنا منها خمسة: الاحتراس، والإدماج، وحسن النَّسق، والتَّنكيت، والمساواة.

الأوَّل: الاحتراس: فقد قال: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي} وما اقتصر؛ لأنَّه لو اقتصر على هذا المعنى لأفاد العموم ومطلق الآباء من يعقوب إلى آدم، وفيهم من لا يجب اتِّباع ملَّته، لكنَّه جاء ببدل التَّقسيم: {إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} من باب الاحتراس؛ ليزيل ذلك الوهم، فحصل الاحتراس بالبدل، وأزال عن المبدل منه ما قد يتوجَّه إليه من احتمال لو اقتصر عليه.

الثَّاني: الإدماج: فقد أدمج الاحتراس في لفظ التَّقسيم، فالاحتراس لم يظهر، ولم يُلْفَظْ به، وإنَّما أُدْمِجَ في البَدَل.

الثَّالث: حسن النَّسق: إذ عطف الآباء على ترتيبهم في الميلاد بواو النَّسق، وذكرهم من الأعلى إلى الأدنى، دون تقديم أو تأخير.

الرَّابع: التَّنكيت: فقد رتَّب الآباء التَّرتيب الَّذي تقتضيه البلاغة، فلم يبدأ من الأدنى الَّذي جاء من صلبه وهو يعقوب، إلى الأعلى فالأعلى، وإنَّما عكس عامداً متعمِّداً؛ لنكتة بلاغيَّة، وهي أنَّه يريدُ إظهار الملَّة الحنيفيَّة الَّتي يتَّبعها، فابتدأ بإبراهيم لأنَّه هو الَّذي ابتدأ الملَّة المتَّبعة.

<<  <   >  >>