الحمدُ لله الكريم المنَّان، أنزل أعظم كتاب هو القرآن، على أعظم نبيٍّ هو سيِّدنا محمَّدٍ خَيْرِ الأنام، الَّذي أزال بيانُه عن الأذهان والأفهام كُلَّ إِبْهَام، أشرف الخلق عجماً وعرباً، وأزكاهم حَسَباً، وأطهرهم نَسَباً، وعلى آله الَّذين اهتدوا بهداه، وعلى أصحابه الَّذين استمسكوا من الدِّين القَيِّم بِعُراه.
وبعد، فلا ريب أن علوم القرآن كثيرة، وفنونها غزيرة، وضروبها جمَّة جليلة، يجلُّ عنها القولُ مهما كان بالغاً، ويَقْصُر عنها الوَصْفُ مهما كان سَابِغاً.
ومن أعظم علوم القرآن قَدْراً، وأعلاها أمراً علمُ التَّفسير والتَّأويل، وقد رأيت مصنَّفات لا تحصى، فيها من الموضوعات والإسرائيليّات ما بين مختصر ومبسوط ما لا يُسْتقصى، وقد نال القصص القرآنيّ منها الحظّ الأوفى.
فقد تكلَّم في قصص القرآن خَلْقٌ كثير، فدرسوا معانيها ومبانيها، وتدبَّروا في تفسيرها وتأويلها، وتكلَّموا في نُكَتِها ولطائفها ... وسيظلُّ القرآنُ مَشْغَلَة الدَّارسين، وحديثَ الباحثين، جيلاً فجيلاً إلى يوم الدِّين ... ولكن كان خليقاً بالَّذين شانوا كتبهم بأخبار القُصَّاص وحكايات الوضَّاعين وخلافها، ألَّا يخوضوا كالَّذي خاضوا، وألَّا يزيدوا على كدرٍ كدراً!
وقصَّة يُوسُفَ ـ - عليه السلام - ـ أسَرَتْ عَبْر الزَّمان قلوباً، وأبكت عيوناً؛ كيف وقد وُصِفَت بأحْسَن القصص، كيف وقد قصَّها الله علينا بالحقِّ من أنباء ما قد سبق! كيف وقد جاءت بألفاظٍ مُدَبَّجة، ومعانٍ متوَّجة، موشَّاة بألوان الفوائد والفرائد، غنيَّة بوجوه المعارف وشوارد الطَّرائف، مفعمة بالإيماءات النَّفسيَّة النَّفيسة!