بمقالة يُوسُفَ، فجمع النُّسوة، فذلك قوله: {مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ ... (٥١)} وسيأتي بيان ذلك في موضعه.
إخْفَاءُ اسم الملك عن يُوسُفَ حال استفتائه في تأويل الرُّؤيا
أُرْسِلَ السَّاقي إلى يُوسُفَ، فلمَّا أتاه استهلَّ كلامه وصدَّره بوصف يُوسُفَ بأنَّه بليغٌ في الصِّدق؛ لأنَّه كان قد جرَّب عليه ذلك في فترة إقامته معه في السِّجن، وصرَّح باسمه ليذكِّره بصحبته، ومنه نفهم أنَّ المستفتي يجب أن يبجِّل المفتي كونه يريد آثارَه وعِلْمَه وأَنْوارَه.
قال: يا {يُوسُفُ} يا {أَيُّهَا الصِّدِّيقُ} يا من غَلَبَ عليه الصِّدقُ وعُرِفَ به، وهو من باب براعة الاستهلال؛ فقد قدَّم المديح والثَّناء قبل مسألته طمعاً في إجابة مطلبه {أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ}.
قلتُ: ويلاحظ أنَّ السَّاقي هذه المرَّة لم يقل له: {نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ ... (٣٦)} وإنَّما قال: {أَفْتِنَا ... (٤٦)} وقوله هذا فيه زيادة إجلال واحترام ليُوسُفَ، بعد أن وقف على علمه، وأيقن أنَّ يُوسُفَ على علم من ربِّه، كما قال لهما يُوسُفُ من قبل: {قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا ... بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي ... (٣٧)} فلعلَّه أدرك هذه المرَّة أنَّ الإنباء بتأويل الرّؤيا يحتاج إلى الإفتاء بعلم.
وقد نقل إليه الرُّؤيا بنصِّها حرصاً على سلامة التَّأويل، وأخفى عنه أنَّ الملك هو الذي رأى الرُّؤيا؛ ولعَلَّه فَعَلَ ذلك خَشْيةَ أنْ يشترطَ يُوسُفُ تفسير الرُّؤيا أمام الملك، فيبدو أنَّه كان حريصاً على أن يسمعَ الملك تفسير الرُّؤيا من فَمِهِ، لينال عنده حِظْوة ومنزلة ومكانة.