المعنيين مخالفة ما، كأن يكون أحدهما أعمّ، ومنه قوله تعالى:{إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ}، فإنَّ الكواكب الأحد عشر أعمُّ من القمر، وكذلك قوله: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (٦٨)} [الرّحمن] فإنَّ الفاكهة أعمُّ من النَّخل والرّمَّان، ومثله في القرآن كثير.
وهناك نوع ثالث يتكرَّر فيه اللَّفظ ويختلف المعنى، نحو قوله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ... (٢٣١)} [البقرة] إلى قوله: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ... (٢٣٢)} [البقرة] فهذا من باب تكرير اللَّفظ لا المعنى لاختلاف البلوغين في قوله {فَبَلَغْنَ} فالأوَّل بمعنى قاربن انقضاء عدَّتهنَّ، والثَّاني بمعنى انقضت عدَّتهنَّ.
واعلم أنَّ لكلِّ نوع من هذه الأنواع الثَّلاثة وجهاً من وجوه البلاغة، ولكن ليس هذا محلّ بيانه.
[تنزيل غير العاقل منزلة العاقل]
من ضروب البلاغة وفنون البراعة تنزيل غير العاقل منزلة العاقل، ومن شواهده في القرآن، قوله: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (٤)} فقد وصفت الكواكب والشَّمس بالسُّجود الَّذي هو من فِعْل العقلاء، وهذا يظهر لك علَّة جمع لفظ (السَّاجد) جمع المذكَّر السَّالم، وعلَّة أنّ ضمير الغائبين في قوله:{رَأَيْتُهُمْ} جرى على حدِّ من يعقل.