ختام السُّورة بيَّن الله تعالى الحكمة من ذكر القصص في القرآن، ونفى أن يكون هذا القرآن حديثاً يُخْتَلق، وأنَّه من عند الله، فقال: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١١١)}.
وهكذا تظهر الوحدة بين مطلع القصَّة ونهايتها، والوحدة بين مطلع السُّورة ونهايتها.
[سبحان من لا يزول ملكه!]
من المشاهد المؤثِّرة مناجاة يُوسُفَ لربِّه في ختام السُّورة وندائه:{رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ}، و {مِنَ} تفيد التَّجزئة كما هو معلوم، أي آتيتني جزءاً من الملك؛ لأنَّ الملك المطلق لله وحده، وقوله فيه اعتراف بالفضل والإحسان لله تعالى {وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} وهذا اعتراف آخر، كذلك صفة الصَّالحين {فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} وهذا ثناء {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (١٠١)} وهذا دعاء، وقد قدَّم الثَّناء على الدُّعاء، كذلك دأب الأولياء.
فبعد أنْ رأى ـ - عليه السلام - ـ أنَّ نعمة الله قد تمَّت، وعرف أنَّ هذا علامة أجله، وأنَّه الوداع؛ دعا ربَّه دعاءً عبَّر فيه عن محبَّته إلى لقائه وإلى اللَّحاق بالصَّالحين، وكما قال النَّبِيُّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ:" مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ الله أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ "(١)
وهكذا مات يُوسُفُ ـ - عليه السلام - ـ، وزال ملكه، فسبحان صاحب العزَّة الدَّائمة والمملكة القائمة! وهذا يذكِّر بالواثِق ـ رحمه الله ـ لمَّا احْتَضَرَ أَمَرَ بالبُسُط فَطُويت
(١) البخاري "صحيح البخاري" (م ٤/ج ٧/ص ١٩١) كتاب الرّقاق. ومسلم "صحيح مسلم بشرح النّووي" (م ٩/ج ١٧/ص ٩) كتاب الذّكر والدّعاء.