للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القنوط من رحمة الله تعالى كُفْرٌ بهذه الرَّحمة، أمَّا المؤمن فيأمل الفَرَجَ من ربِّه دائماً.

والأمل فضيلةٌ ليست للإنسان عنها مَنْدُوحة، وهي نعمة من الله تعالى مَنَّ بها على عباده، وإنَّ المؤمنَ وهو في معترك الشِّدَّة وغمرة الضِّيق والبلاء؛ لفي طمأنينةٍ من صلته بخالقه، وفي سكينة من ثقته ببارئه، وفي أنسٍ من رجائه بربِّه، وفي عِزٍّ مِنْ أمله بالله تعالى.

فالمؤمن يحيا على الأمل، ويعيشُ على الرَّجاء، ليس لليأس والقنوطِ إليه سبيل.

سمع الأبناءُ كَلامَ ونُصْحَ أبيهم، فآنسوا منه قوَّة عقيدة بحياة يُوسُفَ وبراءة شقيقه، فخرجوا راجعين لمصر للمرَّة الثَّالثة، وقد أصابهم الضُّرُّ من الجَدْب والمجاعة، ولم يبْقَ معهم ما يشترون به إلَّا بضاعة رديئة يدفعها من تُعْطَى له.

ولمَّا وصلوا مِصْرَ دخلوا على يُوسُفَ، {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا} بنغْمَةِ الاسترحام والاستعطاف: {يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ} من القحط والجدب، {وَجِئْنَا} إليك {بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ} لا تصلُح ثمناً للطَّعام، لكنَّا طامعون بإحسانك، {فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ} بها وأتممْه، {وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا} بقَبولها على رداءتها؛ {إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (٨٨)} على إحسانهم أحسن الجزاء.

خُضُوعُ الإخوة للغَريبِ وتعاظُمُهم على أبيهم وأخيهم

أخبر الله تبارك وتعالى عن أولاد يعقوب ـ - عليه السلام - ـ أنَّهم {قَالُوا يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (٨٨)}! كلامٌ يشفُّ عن التضرُّع والمسكنة والانكسار للغريب، ولعمري لو كانوا يعرِفُونَ أنَّه أخوهم ما خضعوا له هذا الخضوع، وما تواضعوا له هذا التَّواضع؛ وذلك لما في فِطْرة الإِنسان مِنْ قِلَّة الاحترام بين الأقرباء، فأين هذا

<<  <   >  >>