للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٢٢) وقال: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦)} وعلى لسان السجينين: {نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٣٦)} وعلى لسان إخوته وهم لا يشعرون أنَّهم أمام يُوسُفَ: {قَالُوا يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا ... فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٧٨)} وعلى لسانه وهو يُؤكِّد أنَّ الإحسانَ يُراد به التَّقوى والصَّبر، وأنَّ أُجور المحسنين محفوظة: {قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٩٠)}.

دعوى النَّسخ في قوله: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (١٠١)}

ذكر بعض المُتَأخِّرين أنَّ قوله تعالى إخباراً عن يُوسُفَ: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (١٠١)} منسوخ بقول النَّبيِّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ: "لا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الموْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَاعِلًا، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي" (١) وهذه دعوى واهية واهنة؛ فإنَّ يُوسُفَ لم يتمنَّ الموت، وإنَّما سأل الله أن يتوفَّاه مسلماً بعد استيفاء أجله، فمعنى قوله: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا} أي عند حضور أجلي، وهو أشبه بالمجاز على اعتبار ما سيكون.

ثمَّ إنَّ يُوسُفَ ـ - عليه السلام - ـ لمَّا دعا ربَّه بهذا الدُّعاء لم يدْعُه من ضرٍّ أصابه، فلم يدع الله بهذا الدُّعاء لمَّا أُلقي في الجُبِّ، أو لمّا باعته السيَّارة واشتراه العزيز، أو لمَّا ألقي في السِّجن، أو لمَّا واجهته سنوات القحط والجدب ... وإنَّما دعاه بعد أن تمَّت عليه نعمة الله.


(١) البخاري " صحيح البخاري " (م ٤/ج ٧/ص ١٠) كتاب المرضى والطِّبّ، وأخرجه في كتاب الدّعوات. وأخرجه مسلم في "صحيح مسلم بشرح النّووي" (م ٩/ج ١٧/ص ٧) كتاب الذّكر والدّعاء.

<<  <   >  >>