يَعْقُوبُ ـ - عليه السلام - ـ يُعِبِّرُ رُؤيَا يُوسُفَ
{قَالَ} يعْقُوبُ ـ - عليه السلام - ـ لابنِهِ يُوسُفَ بِلِسَانِ التَّحَبُّبِ والشَّفَقَةِ والنُّصحِ والنَّهي والتَّحذيرِ:{يَابُنَيَّ} تصغير (ابن) للتَّحبُّب، وأضافه لنفسه للغرض نفسه {لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ} هذه {عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا} فَيَحْتَالوا لإهلاكِكَ حِيلَة؛ حسَداً لعِلْمِهِم بتأويلها من أنَّهُم الكواكب وأبواك الشَّمس والقمر.
ويبدو أنَّه ـ - عليه السلام - ـ كان يَعْرِف قُدْرَة أبنائِهِ على تأويل مثل هذه الرؤيا، ويظهر أيضاً أنَّه كان يَعْلَمُ كَراهَتهم لِيُوسُفَ وبُغْضَهُم لِعِشْرَتِهِ. وأظُنُّهُ ـ - عليه السلام - ـ قَالَ هذا الكلام لِيُوسُفَ والفَمُ يَسِيلَ مَرَارَةً وأسىً؛ فالواجِبُ ألَّا يَكُونَ بَيْنَ الإخوةِ أدنى شَحْناء ولا أقلَّ بَغْضاء، ولكن هكذا كان؛ لأمْرٍ يَعْلَمُهُ اللهُ تعالى.
وكان يَعْقُوبُ ـ - عليه السلام - ـ يَعْلَمُ أنَّ نُصْحَهُ وتَحْذِيرَهُ ليُوسُفَ لا يُثِيرُ في نَفْسِهِ كَراهَةً لإخوتِهِ؛ لأنَّهُ وَاثِقٌ من صَفَاءِ سَرِيرتِهِ ونَقَاءِ قَلْبِهِ وَرُجْحَانِ عَقْلِهِ ونفاذِ بَصِيرتِهِ، ولذلِكَ عَقَّبَ كلامَهُ بِقَولِهِ: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٥)} ظَاهِر العَدَاوة كما فَعَلَ بآدَمَ - عليه السلام - وحوَّاء؛ ليَعْلَمَ يُوسُفُ أنَّهُ ما حَذَّرَه مِن إخْوَتِهِ، وإنَّما حَذَّرَهُ من نَزْغِ الشَّيطانِ في نُفُوسِهِم، فَقَولُه واقِعٌ موقع التَّعليلِ للنَّهي عن قَصِّ الرُّؤيا على إخوتِهِ.
فكانَتْ تِلْكَ بِشارة من الله تعالى لِيُوسُفَ في المنام، وبِشَارة له من يَعْقُوبَ ـ - عليه السلام - ـ في اليَقَظَةِ، وقَد وَقَعَ ما بشَّرَ بِهِ يَعْقُوبُ ولَدَهُ حَرْفَاً بِحَرْفٍ.