بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٨٣)} وهذه الآية تتحدَّث أوّلاً عن عِلْم الله تعالى بحال يعقوب، وبمكان يُوسُفَ وأخويه، وثانياً عن حكمة الله تعالى في صنعه وتدبيره.
وقال تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا ... لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (١٠٠)} وهذه الآية تتحدَّثُ أوّلاً عن علم الله المسبق بما كان وما يكون، وعن تعليم الله له ولأبيه تأويل الأحاديث، وتتحدَّث ثانياً عن اجتماع الشَّمل والائتلاف بعد الاختلاف، وتحقّق الرُّؤيا ووقوعها في وقتها المعلوم، وهذا من مقتضى حكمته سبحانه!
وبالجملة فإنَّ تقديم الحكيم على العليم في (الأنعام) لأنَّ المقام مقام تشريع الأحكام، وبيان حكمة الله وسنَّته في خلقه، وأمَّا تقديم العليم على الحكيم في (يوسف) فلأنَّه قال في أوَّلها: {إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦)} وقال في آخرها: {وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ... (١٠١)} فالسُّورة تتحدَّث عن العلم من أوَّلها إلى آخرها.
الاعتِرَافُ لله بالنِّعم
ضرب لنا يُوسُفُ ـ - عليه السلام - ـ مثلاً في الصَّبر على البلاء، والرِّضا بالقضاء، والشُّكر في الرَّخاء، فتراه يَعْترِف بنعم الله تعالى عليه، ولا يزال يذكر هذه النِّعم ليحدث شُكراً كُلَّما ذكرها، ولذلك تجده يقول ما يخبر الله عنه:{وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} ويقول: {وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ... (١٠٠)} وهكذا ينبغي لمن أنعم الله عليه بنعمة بعد شدَّة وكرب أن يعترف بنعمة الله عليه، وأن يشكرها {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ... (٧)} [إبراهيم] وقال تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ ... رَبِّكَ فَحَدِّثْ (١١)} [الضحى].