للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومكانه {قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ} في ملكي {أَمِينٌ (٥٤)} على تدبيره.

فقد كان يُوسُفُ ـ - عليه السلام - ـ مِلءَ الأُذن كما هو ملء العين، وملء المسامع والنُّهى، وحقّاً الحديثُ أدلُّ على الرجل من لباسِه، وصدقاً المرءُ مخبوء تحت لسانه؛ لذلك قال أحدُ الحكماء لجليس له: " تكلَّم لأعرفك ".

تمكينُ يُوسُفَ في الأرض

كان تمكين يُوسُفَ في الأرض أوَّل الأمر خاصّاً بأمكنةٍ محدودة ومعلومة، وهذا هو المذكور في سابق قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ}، ولم يطل، حيث سُجِنَ؛ بخلاف التَّمكين الثَّاني المذكور في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦)}؛ فإنَّه تمكينٌ عامٌّ شاملٌ، وقد طال وحَسُن.

ردُّ دعوى زواج يُوسُفَ بامرأة العزيز

ذكر بعضُ المفسِّرين أنَّ يُوسُفَ تزوَّجَ بامرأة العزيز، وشاع عند القصَّاص أنَّ امرأة العزيز (زليخا) عادت شابة بكراً بعدما كانت ثيِّباً غير شابَّة، وهذا كما قال الألوسي في تفسيره: ممَّا لا أصل له، قال: "وخبر تزوجها أيضاً ممَّا لا يعوَّل عليه عند المحدِّثين " (١).

ولا نرى أنَّه يليقُ أن يتزوَّج يُوسُفُ بها، فمعلومٌ أنَّ زوجة كلِّ رسول هي أمٌّ لأفراد أمَّته؛ كما قال تعالى: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ... (٦)} [الأحزاب]، ولا يليق أن تكونَ امرأةُ العزيز أمّاً للمصريين آنذاك.


(١) الألوسي " روح المعاني " (م ٧ / ج ١٣/ ص ٥).

<<  <   >  >>