للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جُزء مِن كَيْدِكُنَّ، أَمَّا كَيْدكنَّ فَعَظِيم، وَلَم يَقُل: إِنَّه كَيْدُكُنَّ؛ لِأَنَّ الكَيْدَ لَا يُدْرَك مَدَاه، ولا يُعرف منتهاه.

وَقَد عَبَّر بِصِيغَة الْجَمع لِأَنَّ الكَيْد مِن طَبْع النِّسَاء، وَلِذَلِك فَإِنَّ النَّبِيَّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ قَال لِبَعْضِ أَزْوَاجه لمَّا ألحَحْنَ عليه أَن يَأْمر عُمَرَ لِيُصلِّيَ بِالنَّاس بَدَلاً من أَبِي بَكرٍ، قَال: " إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ " (١) فَالْكَيْدُ مِن طَبْعِكُنَّ.

والكَيد موجود فِي النِّسَاء والرِّجَال عَلَى حَدٍّ سَوَاء، إِلَّا أَنَّ كَيْد النِّسَاء أعظم بشهادة الله تعالى: {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (٢٨)} فهذه الآية تقرِّر أنَّ كيد النِّساء عظيم، وبذلك يتفوَّقْنَ على الرِّجال، ومنه قوله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ (٢) فِي الْعُقَدِ (٤)} [الفلق]

أمّا كيد الشَّيطان فأعظم من كيد النِّساء؛ فبعض كيد النِّساء مُسْتَمدٌّ من وَسْوَسَة الشَّيْطَانِ وَتَسْوِيله، فَهوَ الْمعَلِّم وَهُنَّ التِّلْمِيذَات، أَمَّا قوله تعالى: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (٧٦)} [النِّساء] فهذا إِذا مَا قِيسَ بالنِّسْبَة لِكَيْد الله تعالى، فَكَيد الله تعالى أَقْوَى مِن كَيْد الشَّيْطان وَأَشَدُّ، قَال تَعَالَى: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (١٨٣)} [الأعراف]

كلُّ سِرٍّ جَاوَزَ اللِّسَان شَاعَ

وَإِذَا صَار الْكَلَام بيْن اثْنَيْن شَاع وَلَم يَعُد سِرّاً، وَإِذَا خَرَجَ الكَلَامُ من اللِّسَان فليس عليه أَمَان ... فَقَد تَنَاهَى الخبرُ لجماعة من سَيِّدَات نِسَاء المدينة، ولمَّا تحقَّقْنَ منه بسَطْنَ فيها لِسَانَ الملامة، {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ} ـ بِلِسَان الْعَجَب وَالْغِيبَة


(١) البخاري " صحيح البخاري " (م ١/ج ١/ص ١٦٢) كتاب الأذان.
(٢) {النَّفَّاثَاتِ}: السَّاحرات اللاتي يَعْقِدْنَ عقداً في خيوط، وينْفُثْنَ فيها بريقِهِنَّ ليُعَقِّدْنَ أمور النَّاس.

<<  <   >  >>