قوله تعالى على لسان عزيز مِصْر: {إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (٢٩)} من باب تغليب الذُّكور على الإناث، ومن جهة أخرى هناك فرق لُغَوي بين الخاطئين والمخطئين، فالخاطئ: من تعمَّد الخطأ وما لا ينبغي، أمَّا المخطِئ فهو: من أراد الصَّواب فصار إلى غيره، أي من لم يتعمَّد الخطأ، ولذلك قال العزيز لامرأته: {إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (٢٩)} ولم يقل لها: مِنَ المخطئين. وسيأتي لإخوة يُوسُفَ أن يقولوا: {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (٩١)} أي كنَّا متعمِّدين بالذَّنب، وفيه إشارة بالتَّوبة.
[من بديع القرآن الالتفات]
الالتفات في المخاطبة هو نقل الكلام عن شيء إلى شيء آخر، وهو ضرب من ضروب البلاغة، وأسلوب من أساليب الفصاحة، ومنه في القرآن قوله تعالى حكاية عن عزيز مصر: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (٢٩)} فحوَّل الخطاب عن يُوسُفَ - عليه السلام - إلى امرأة العزيز.
ولذلك فإنَّه يحسن الوقف على قوله:{يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} والابتداء بقوله: {وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (٢٩)} ليظهر الالتفات، ويتبيَّن الفصل بين الأمرين، وهو وقف جائز.
الكَيْدُ فِي القُرْآن الكَرِيم
وَهَذِه الحادثة لم تحطَّ مِن مَنْزِلَة يُوسُف ـ - عليه السلام - ـ، بَل زَادَتْه رِفْعَةً وَعلوَّ شَأْن، لَا سيَّما وَأَنَّ الْعَزِيز نَفْسه قَد أَعْلَن بَرَاءَته وَأَسْنَد مَا حَدَث لامْرَأَتِه، فَقَال:{إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ}، و {مِنْ}: حَرفُ جَرٍّ يفِيد التَّبعِيض وَالتَّجْزِيء، أَي إِنَّ مَا حَدَث