للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَالفَحْشَاء، وَالَّذِي يَمْشِي إِلَيْهِما يُوسُفُ، ولقال تعالى: لِنَصْرِفه عَن السُّوء وَالْفَحْشَاء. فلمَّا لَم يَقُل تعالى ذلك، وَقَال: {لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ} دَلَّ ذَلِكَ عَلَى ثَبَات يُوسُفَ وَنَزَاهَته وَعَلَى عَدَم هَمِّه بالمعصية، ثمّ إنَّ الهمَّ ليس ممَّا يَكْسِبُه العَبْدُ.

وَلِكَي يَقطَع الله كُلَّ لِسَان، قَالَ بعد ذلك: {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (٢٤)}؛ لِيُبَيِّن لَنَا أَنَّ إِبْلِيسَ نَفْسَه لَيْسَ لَه سُلْطَانٌ وَلَا غِوَايَةٌ عَلَى يُوسُفَ، فَإِبليس قَالَ لله تعالى: {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٨٣)} [ص]، وَيُوسُفُ مِن المُخْلَصِين، فَهو مستثنى بـ (إلّا)، والكلام تَامٌ مُوجَب.

وزد عَلَى ذَلِك أَنَّ الله تَعَالى آتى يوسف الحُكْم والعلم قَبْل هَذِهِ الحادثة، وهما من أسباب العصمة، قَال تَعَالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا}.

أَبَعْد هَذَا يَقُولُ قَائِلٌ: إِنَّ يُوسف حَاول؟! أَبَعْد هَذَا البَيَان يَقُول مُكَابِرٌ: إِنَّه كَانَ فِي نَفْسِه شَيءٌ؟!

تنوّع القراءات في {الْمُخْلَصِينَ} بين البناء للفاعل والبناء للمفعول

اللُّغة العربيَّة من خصائصها أنَّها لُغَةُ اشتقاق، ولذلك قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، ويعقوب (المخْلِصين) بكسر اللَّام على أنَّها اسم فاعل في قوله تعالى في حقِّ يُوسُفَ ـ - عليه السلام - ـ: {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (٢٤)} وقرأ الآخرون {الْمُخْلَصِينَ} بفتح اللَّام على أنَّها اسم مفعول.

والمعنى على القراءة الأولى: أنَّ يُوسُفَ ـ - عليه السلام - ـ كان ممَّن أخلص دينه وقلبه وعمله وطاعته لله، فاسم الفاعل يدلُّ على من قام بالفعل أو تعلَّق به، وعلى الثَّانية: أنَّه كان ممَّن أخلصهم الله لنفسه واستخلصهم لرسالته واصطفاهم واختارهم، لأنَّ

<<  <   >  >>