تعالى:{وَهَمَّ بِهَا} ونسكت؛ فقد يتبادر إلى الأفهام والأذهان أنَّ الهمَّ قد وَقَعَ، وليس كذلك، فلا يدلُّ قوله تعالى:{وَهَمَّ بِهَا} على ثبوت الهمِّ؛ لأنَّ لولا: حرف امتناع لوجود، فالهمُّ ممتنع وقوعه لوجود رؤية يُوسُفَ لبرهان ربِّه، فالآية تقديرها: لولا أن رأى برهان ربِّه لهمَّ بها، لكنَّه رأى البرهان فلم يهمَّ بها.
فأنت تقول: لقد قتلته لولا أن تداركتني رحمة الله. فلو وقف السَّامع عند قولك: لقد قتلته، لتوهَّم أنَّ القتل قد وقع، والحقيقة أنَّ القتل ممتنع وقوعه لوجود رحمة الله تعالى، ويكون المعنى: لولا أن تداركتني رحمة الله لقتلته، فالقتل لم يقع أصلاً. ونظير ذلك حَذْوَ القُذَّةِ بالقُذَّةِ (١)، قولك: لقد خرجنا لولا نزول المطر، فالخروج لم يقع لنزول المطر، فالتَّقدير: لولا نزول المطر لخرجنا، ونظيره: لقد هلكنا لولا أن هدانا الله، فالهلاك ممتنع وقوعه من أجل وجود هداية الله تعالى، وكم من نظير!
أمَّا البرهان الَّذي رآه يُوسُفُ ـ - عليه السلام - ـ فقد أطال المفسِّرون في تعيينه بلا دليل يدل عليه من الكتاب أو السُّنَّة، وفي تعيين ذلك البرهان تكلُّفٌ غيرُ محمودٍ إذ لا سبيلَ إلى معرفته إلَّا بالخَبَرِ المقطوع به، وهذا ما لم أقف عليه.
أمَّا معنى الهمّ فأيّاً كَانَ مَعْناه، فَيُوسُفُ لم يَقَعْ منه هَمٌّ بِهَا البتَّة، بَل هُوَ مَنْفِيٌّ لوُجُود البُرْهَان الْإِلهيّ عنده، ولنفي السُّوء وَالفَحْشَاء برمَّتهما عنه ـ - عليه السلام - ـ، قَالَ تَعَالَى:{كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ} فَهَذَا نَفْيٌ لوقوع الهمِّ منه بالمعصية؛ فالآية تَعْنِي أنَّ يُوسُفَ ثَابِتٌ ثَبَاتَ الجبال، والسُّوء وَالْفَحْشَاء يَسْعَيَان إلَيه، وَلَو كَان الحَال كما زَعَمُوا أنَّ يُوسُفَ هَمَّ بالمعصية، لكان الثَّابت السُّوء
(١) يُضْرَب في المتماثلين، وفي التَّسوية بين الشيئين، والقُذَّة: الرِّيشة من ريش السّهام المقطوعة على قدْر صاحبتها مثلاً بمثل.