للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللَّهِ} أَلْتَجئ إِلَى الله، أَرتَكنُ عَلَى جَناب الله، أَتَحَصَّنُ بِحِمى الله.

موقِف مَبْدئيٌّ وَثَابت لَا يَقْبَل المُساومة {إِنَّهُ رَبِّي} يَعْنِي بِه إلهه سُبْحانه {أَحْسَنَ مَثْوَايَ} غَمَرَني بِإحْسَانه، وَكَلَأني بِرعَايته، فَلَا أَعْصِيهِ؛ {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢٣)} وَهَذا نِدَاء نَفس يُوسف الْمطْمَئِنَّة، وَهَيهَات هَيْهَات بينَ نَفس امْرَأَة الْعَزِيز الأَمَّارة، وَنَفس يُوسُف المطمئِنَّة.

وهكذا بعد أن غَلَّقَتْ عليه أبوابَ بيتها فَتَحَ الله تعالى عليه بَابَ العِصْمَةِ، فلم يُضِرْهُ ما أُغْلِقَ بعد أن أكرمه الله تعالى بما فَتَحَ عليه من الحكمة والعلم!

{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ (٢٤)} وَفي هَذِه الآية تَعثَّرَت أَقْلَام، وَزلَّت أقْدَام، وَضَلَّت أَفْهَام؛ ففي هَذِه الآية قَالُوا كلاماً {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (٩٠)} [مريم]

وَتَفْسِير الْآيَة جدّ يَسِير {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ}: كَلَامٌ تَامٌ نَقِفُ عَلَيه، ثُمَّ نبتدِئُ بقوله تعالى: {وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} أَي وَلَوْلا أَن رَأَى بُرْهَان رَبِّه لَهَمَّ بِهَا، فالهمُّ ممتنعٌ وقوعه من أجل وجود البرهان، فَيُوسُفُ ـ - عليه السلام - ـ لم يَقَعْ منه فِعْلٌ وَلَا هَمٌّ بالفعل، وَالْآيَة نَاطِقَة مُصَرِّحة بذلك، فَهَذَا الْكَلَام من قَبِيل التَّقْدِيم والتَّأْخِير، وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالى: {إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠)} [القصص] أَي لَوْلَا أَن رَبَطْنَا عَلِى قَلْبِهَا لَكَادت تُبْدِي بِه، فَهَذا عَلَى تَقْديم الجواب وَتَأْخير الشَّرط، أَو عَلِى حَذِف الجواب لدلالة مَا قبله عليه، وهذا التَّقْديم وَالتَّأْخِير إِنَّما جَاء لِوُجوه بَلَاغِية وَحِكَم ربَّانِيَّة وَأُمُور إِيمَانِيَّة وَانْتَهَت الْقَضِيَّة.

نعم، هذا على التَّقديم والتَّأخير، ولذلك لا ينبغي أن نقف في المعنى عند قوله

<<  <   >  >>