للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القسم الرَّابع

يُوسُفُ في السِّجن

مُناجَاةُ يُوسُفَ لربِّهِ

فلمَّا سَمِعَ يُوسُفُ ـ - عليه السلام - ـ تهديدَ امرأة العزيز ووعيدَها، وعَلِمَ عزْمَها وإصرارَها، تكلَّم بعد أن ظلَّ صامتاً طَوَال الوقتِ؛ فلا ينبغي له أن يتبسَّط في الحديث معهنَّ، والصَّمتُ يَرْفَعُ شأنَ صاحبه، وخَيْرُ الخِلال حِفْظُ اللِّسان، والعاقل مَنْ يتكلَّمُ عند الضَّرورة، فَلاذَ إلى ربِّهِ وناجاهُ في خُشُوعٍ: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ (١) أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي (٢) إِلَيْهِ} وقد اختار السِّجنَ مع أنَّه شرٌّ، ولكنَّه شرٌّ أهونُ من شرِّ الزِّنا الَّذي قال فيه ـ تبارك وتعالى ـ: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (٣٢)} [الإسراء]. ثمَّ فزع إلى لطائِفِ رحمة الله تعالى: {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ} أي إن لم تدركني برحمتكَ {أَصْبُ إِلَيْهِنَّ} أَمِل إليهِنَّ، وهو من باب الشَّرط والمجازاة {وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٣٣)} وهذا على وجه عدم الاغترار بعصمته ـ - عليه السلام - ـ، ومن باب هَضْمِ النَّفس، وعلى سبيل الإقرار بأنَّه {إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (٥٣)} [الشُّورى] ومن باب الثَّناء على الله تعالى والتَّضرُّعِ والاستغاثة بجنابه ـ تبارك وتعالى ـ، وهو من أدبِ دُعاء الأنبياء والصَّالحين.


(١) لم يَرِدْ ذِكرُ لفظ السِّجن في القرآن الكريم باستثناء سورة يوسف إلَّا على لسان فرعون، وهو يتوعَّدُ موسى ـ - عليه السلام - ـ: {قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (٢٩)} [الشُّعراء].
(٢) عبَّر ـ - عليه السلام - ـ بصيغة الجمع سَتْراً على سيِّدته، أو أنَّهُنَّ مشتركات في الجُرم، والله تعالى أعلم.

<<  <   >  >>