للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الله سبباً في تمكينه في الأرض، وقوله: {وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} أوجز قصَّته وهو عزيز مصر، وكيف جعل الله الملك سبباً في اجتماع الشَّمل، وقوله: {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (١٠٠)} عين التَّوحيد الَّذي تدور حوله القصَّة، فبلطف الله عصم إخوته من قتله، وبلطفه عصم يوسف من امرأة العزيز، وبلطفه صار عزيز مصر، وبلطفه جمع بينه وبين يعقوب، وبلطفه سَبَقَت الأخوَّةُ الجَفْوَة، وبلطفه كلُّ عُسْرٍ إلى يُسْرٍ، وبلطفه كلُّ شِدَّة إلى فرج.

الأوصاف الَّتي اشتهر بها يُوسُفُ ـ - عليه السلام - ـ

اشتهر بعض الأنبياء بأوصاف، فقد اشتهر إبراهيم ـ - عليه السلام - ـ بالخليل، واشتهر موسى ـ - عليه السلام - ـ بالكليم، واشتهر النَّبيُّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ بالصَّادق الأمين، واشتهر يُوسُفُ ـ - عليه السلام - ـ بأوصاف كثيرة، وقد جاءت في غير مكان، وعلى غير لسان، فعلى لسان النَّبِيِّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ وُصِفَ بالكريم، قال ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ: " الكَريمُ ابنُ الكَريمِ ابنِ الكَريمِ ابنِ الكَريمِ، يُوسُفُ بنُ يعقوبَ بنِ إسحاقَ بنِ إبراهيمَ ـ عليهم السَّلامُ ـ " (١) وقَالَ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ: "فأكْرَمُ النَّاس يُوسُفُ نَبِيُّ الله ابنِ نبِيِّ الله ابن خَليلِ الله ... " (٢). والمراد أنَّه أكرم النَّاس من جهة النَّسب، ولا يلزم من ذلك أن يكونَ أكرمَ من غيره مطلقاً.

وَوصِفَ بالصِّدِّيق وغلبت عليه هذه الصِّفة، فعلى لسان الشَّاهد: {وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٧) وعلى لسان السَّاقي: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ ... (٤٦) وعلى لسان امرأة العزيز: {أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١)} ووصف بالإحسان في غير مكان، فقد وصفه الله بهذا الوصف، فقال: {وَلَمَّا


(١) البخاري " صحيح البخاري " (م ٢/ج ٤/ص ١٢١) كتاب بدء الخلق.
(٢) المرجع السَّابق.

<<  <   >  >>