للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من السِّجنِ بعد {وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي} ولا يصلح ولا يُسَدِّد { ... كَيْدَ الْخَائِنِينَ (٥٢)}.

{وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي} إن كنتُ قد برَّأتُ يُوسُفَ {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي} أي إلَّا نفساً تداركتها رحمةُ الله تعالى بالعصمة كنفس يُوسُفَ {إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٣)} وهكذا أخمدت امرأةُ العزيز الفتنةَ التي أضرمت نارَها، وبرَّأت يُوسُفَ من التُّهمة ولم تبرِّئ نفسَها.

وهذا التَّغيير في شخصيَّة امرأة العزيز صورةٌ من صُورِ نجاح يُوسُفَ في الدَّعوة، فقد دعا إلى الله بأخلاقه قبل أقواله، وبحاله قبل مقاله، ونجح في نَقْل هذه المرأة من مَهَاوي الرَّدى إلى صَعِيدِ الهدى. هذا ومكارم الأخلاق من مقاصد بعثة النَّبيِّ محمَّد ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ، والتَّحلِّي بالأخلاق الفاضلة واجب على آحاد النَّاس، فما ظنّك بالدَّاعية، فلا ريب أنَّ تجمُّلَه بها أوجب.

في الوجوه والنَّظائر

اعلم أنَّ من الفِقْه معْرِفَةَ الوجُوه والنَّظائر، فالكلمة الواحدة في القرآن الكريم قد تَنْصَرِفُ إلى وجوه شتَّى، فَمِنْ ذلك كلمة (الهدى) لها وجوه، نذكرُ منها أنَّها تأتي بمعنى الإصلاح والتَّسديد كما في سورة يُوسُفَ: {وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (٥٢)}.

وبمعنى الدِّين: {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ ... (٧٣)} [آل عمران].

وبمعنى الإيمان: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ... (٧٦)} [مريم].

وبمعنى القرآن: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (٢٣)} [النّجم].

وبمعنى التّوراة: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى ... (٥٣)} [غافر].

وبمعنى التَّوبة: {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ... (١٥٦)} الأعراف].

<<  <   >  >>