للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إليه، فآنسَ يُوسُفُ عندئذٍ أنَّ بإمكانه الخروج من ظلمة السجن ـ قبر الأحياء ومنزل الابتلاء ـ والعيش في النُّور والضِّياء بعد أن ظهرت براءتُهُ كالشّمس في ضحاها وكالقمر إذا تلاها.

يُوسُفُ ـ - عليه السلام - ـ في بلاط الملك

وخَرجَ يُوسُفُ من السِّجن إلى بلاط ملكِ مصر معزَّزاً مكرَّماً، وما أن كلَّم الملكَ حتَّى قال له: {إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (٥٤)} قريبُ المنزلةِ رفيعُ الرُّتبة، مؤتمنٌ على كلِّ شيء؛ لما رأى من حسن منطقه، وبلاغة قوله، وأصالة رأيه، ووفور عقله.

وكان يُوسُفُ ـ - عليه السلام - ـ قد ذاقَ مَرَارةَ العيش وجرَّب البُؤسَ والحرمان ولم ينس بعد ما جرى عليه فيما مضى، ولم ينسَ رؤيا الملك، فتصوَّرَ ما سيجري على النَّاسِ في سنيِّ القحط من هوان إذا لم يُحسَبْ لهنَّ الحساب، فلمَّا سمع كلام الملك: {إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (٥٤)} وأنَّه يعْرض عليه المنْصِبَ، رغب أنْ يتولَّى شؤون مصر لينقذ البلادَ وما حولها من شرِّ المجاعة المقبلة رحمةً بالنَّاسِ، لا سيما وأنَّه آنس في نفسه القدرة والعلم.

{قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ} أمينٌ كما عهدتني {عَلِيمٌ (٥٥)} بوجوه التَّصرُّف الأحوط والأرشد.

{وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ} أي وهكذا مكَّنَّا ليُوسُفَ في أرض مصر، وجعلنا له العزَّ والسُّلطان بعد الحبس والضِّيق والحرمان.

{يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ} يتصرَّف في مملكة مصر كما يريد، ويتقلَّب فيها معزَّزاً.

<<  <   >  >>