فَأَدْرَكَ يَعقُوبُ ـ - عليه السلام - ـ عِنْدَ سَمَاعِهِ لهذهِ الرُّؤيَا الصَّالِحَة دلالَتَها، وعَلِمَ أنَّ هذهِ الرُّؤيا لَهَا خَطَرُها، وأنَّها تتضَمَّنُ مَجْداً وعِزّاً لِيُوسُفَ، وتُؤْذِنُ بِرِفْعَةٍ يَنَالُها على إخوتِهِ، وأنَّ اللهَ يصْطَفِيهِ لِلنبُوَّةِ، وَيُنْعِم عَليهِ بِشَرفِ الدَّارينِ؛ فَخاف عَلِيهِ من نَزْغِ الشَّيطانِ في نُفُوس إخوَتِهِ، فنَصَحَهُ ألَّا يَقُصَّها عليهم خَشْيَة أن تشْتَدَّ بِهِم الغَيرةُ إلى حَدِّ الحَسَدِ.
من أغراض التَّكرير
يلاحظ في قوله تعالى حكاية عن يُوسُفَ: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (٤)} أنَّه كرَّر (رأيت)، وهذا التكرير غرضه في الآية أن يتَّصل أوَّل الكلام بآخره اتِّصالاً حسناً، فإنَّه إذا طال الكلام، وخشي نسيان أوَّله أعيد من جديد تطريةً له، واعتناء به، وتجديداً لعهده، وتأكيداً عليه، ولذلك تكرَّرت {رَأَيْتُهُمْ} إضافة للتَّأكيد بسبب إطالة الكلام بين الفعل والحال.
فتكرير اللّفظ الأوَّل بعينه إنَّما هو للعناية به والتَّأكيد عليه، ومن ذلك في القرآن، قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٩)} [النَّحل] فقد كرَّر قوله: {إِنَّ رَبَّكَ} للغرض نفسه.
والتَّكرير أبلغ من التَّأكيد، وهو أنواع ثلاثة: الأوَّل: أن يتكرَّر لفظه ومعناه، وسبقت الإشارة إليه، والثَّاني: ما يتكرَّر معنى لا لفظاً، وهذا أحياناً يكون فيه بين