للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْقِيرَاطُ، فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا؛ فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا، أَوْ قَالَ ذِمَّةً ... وَصِهْرًا (١) " (٢)

تأويلُ رُؤيا يُوسُفَ وَحَدِيثُ الوئام

{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} أي أجلسهما على سرير الملك {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} سجدوا له سُجُودَ تحيَّةٍ وتكْرُمَةٍ لا سجود عبادة؛ لأَنَّ بني يعقوب ـ - عليه السلام - ـ لم يكونوا يسجدون لغير الله تعالى.

{وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ}، وذلك تفسيرها: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (٤){قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} وصِدْقاً.

{وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} أي وقد أنعم عليَّ الله تعالى بإخراجي من السِّجن بريئاً.

وكان يُوسُفُ حسَّاساً في انتقاء الألفاظ، فلم يَقُل: وقد أَحْسَنَ بي إذ أخرجني من الجُبِّ؛ تكرُّماً منه لئلَّا يذكِّر إخوته بما يجرحهم ويؤلمهم ويخجلهم، فهو لا يريد تقريعهم بعد أن عفا عنهم، بقوله: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ}، كذلك آثر ذكر السّجن لأنَّ النِّعمة الَّتي أعقبت خروجه منه كانت أوضح، فقد خرج من الجبِّ إلى الرِّقِّ، لكنَّه خرج من السّجن إلى الملك، وكذلك فإنَّ محنة الجبِّ لم تدم طويلاً، خلافاً لمحنة السّجن ...

{وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ}، وهذا إحسان آخر، أي وقد أَحْسَنَ الله تعالى بي أنَّه أتى بكم من البادية إلى مِصْرَ، فالتقينا وتصافينا {مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ} وأفسد


(١) أمّا الرّحم فلأنّ هاجر أمّ إسماعيل منهم، وأمَّا الصِّهر فلكون مارية أمّ ولده إبراهيم منهم.
(٢) مسلم "صحيح مسلم بشرح النّووي" (م ٨/ج ١٦/ص ٧٩) كتاب فضائل الصّحابة.

<<  <   >  >>