للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فسكوتُ يُوسُفَ ـ - عليه السلام - ـ عن ضروب البيان، ووجوه الكلام، وكثرة الجدال والخصام لم يكن عيّاً، وإنَّما كان عِلماً وفَصَاحةً وورعاً وثقةً بالله.

وسيأتي ليُوسُفَ إسْهَاب في الكلام، ولكن في مقام الدَّعوة إلى التَّوحيد وهو في السِّجن، أمَّا إذا تعلَّق الأمرُ بالافتراء عليه فكان يقتصر على أوْجَز لفْظ، فسيأتي لأخوته اتِّهامه بالسَّرقة، ولم يزد أن قال: {أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (٧٧)}.

وكم من عَالمٍ جَليل، حظُّه من العلم وافِرٌ جزيل، ويموت بموته خير عظيم، جَهِل عليه من جَهِل، وافترى عليه من افترى، فأسكته علمه عن القِيل والقَال، ووكل أمره إلى {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (٩)} [الرعد] ولا غرابة؛ فالعلماءُ ورثةُ الأنبياء.

ألا ترى كيف ردَّ نبيُّ الله يَعقوبُ ـ - عليه السلام - ـ على أولاده لمّا افتروا الكذب، {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (١٨)} ألا ترى إلى أمّ المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ لمّا افترى عليها من افترى حديث الإفك، قالت: " مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَيَعْقُوبَ وَبَنِيهِ: بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ والله الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ " (١) فإذا جار عليك النَّاس، فاستجر بالله، فلنعم المجير!

وَثِيقَةُ البراءَة

"وربَّ أَخٍ لكَ لَم تَلِده أمُّكَ " فَقَبْل أَن يَغْرَقَ الْعَزِيز بالحَيْرَة، قَطَعَ عليه حَيْرَته حَاضِرٌ مِن أَهْلِهَا، {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} وقَال ـ عَلَى سَبِيل الشَّهَادة ـ:


(١) البخاري " صحيح البخاري " (م ٣/ج ٥/ص ٢١٧) كتاب التّفسير، وأخرجه البخاري في كتاب الشّهادات، وفي كتاب المغازي. وأخرجه مسلم في " صحيح مسلم بشرح النّووي" (م ٩/ج ١٧/ص ١١١) كتاب التّوبة.

<<  <   >  >>